التفاسير

< >
عرض

إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَـٰتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً
٣١
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة، والحجة:
قرأ نافع، وأبو بكر، عن عاصم: مدخلا - بفتح الميم - الباقون بضمها، وهو الأقوى، لأنه من ادخلوا والآخر جائز، لأن فيه معنى: فيدخلون، وليس كقول الشاعر:

الحمد لله ممسانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا

ويروى بفتح الميم فيهما، أنشده البلخي في البيت، لأنه ليس فيه فعل، ولكن قد حكي بالفتح على التشبيه بالأول، ويحتمل أن يكون من قرأ بفتح الميم أراد: مكاناً كريماً، كما قال: { ومقام كريم } وقرأ المفضل، عن عاصم "يكفر"ويدخلكم" بالياء فيهما، الباقون بالنون، وهو الأجود، لأنه وعد على وجه الاستئناف، فالاحسن ألا يعلق بالأول من جهة ضمير الغائب، واختاره الاخفش، ومن قرأ بالياء رده إلى ذكر الله في قوله: { إن الله كان بكم رحيماً }.
المعنى:
والمعاصي وإن كانت كلها عندنا كبائر، من حيث كانت معصية لله تعالى، فانا نقول: إن بعضها أكبر من بعض، ففيها إذاً كبير بالاضافة إلى ما هو أصغر منه. وقال ابن عباس: كلما نهى الله عنه فهو كبير. وقال سعيد بن جبير: كلما أوعد الله عليه النار فهو كبير، ومثله قال أبو العالية، ومجاهد، والضحاك. وعند المعتزلة أن كل معصية توعد الله تعالى عليها بالعقاب، أو ثبت ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أو كان بمنزلة ذلك، أو أكبر منه، فهو كبير، وما ليس ذلك حكمه فانه يجوز أن يكون صغيراً، ويجوز أن يكون كبيراً، ولا يجوز أن يعين الله الصغائر، لأن في تعيينها الاغراء بفعلها، فمن المعاصي المقطوع على كونها كبائر: قذف المحصنات، وقتل النفس التي حرم الله، والزنا، والربا، والفرار من الزحف في قول ابن عباس، وسعيد بن جبير، والحسن، والضحاك، ومثله عن أبي عبد الله (ع)، وزاد: وعقوق الوالدين، والشرك، وإنكار الولاية. وقال ابن مسعود: كلما نهى الله عنه، من أول السورة إلى رأس الثلاثين، فهو كبير. وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:
"عقوق الوالدين، وشهادة الزور، كبير" .
فعلى مذهب المعتزلة: من اجتنب الكبائر، وواقع الصغائر، فان الله يكفر الصغائر عنه، ولا يحسن مع اجتناب الكبائر عندهم المؤآخذة بالصغائر، ومتى آخذه بها كان ظالماً. وعندنا أنه يحسن من الله تعالى ان يؤآخذ العاصي بأي معصية فعلها، ولا يجب عليه إسقاط عقاب معصية لمكان اجتناب ما هو أكبر منها، غير أنا نقول: إنه تعالى وعد تفضلا منه أن من اجتنب الكبائر فانه يكفر عنه ما سواها، بأن يسقط عقابها عنه تفضلا، ولو أخذه بها لم يكن ظالماً، ولم يعين الكبائر التي إذا اجتنبها كفر ما عداها، لأنه لو فعل ذلك لكان فيه إغراء بما عداها، وذلك لا يجوز في حكمته تعالى. وقوله: { إن تجتنبوا كبائر } معناه من تركها جانباً والمدخل الكريم: هو الطيب الحسن المكرم بنفي الآفات والعاهات عنه.