التفاسير

< >
عرض

فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً
٥٥
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
الضمير في قوله: { فمنهم من آمن } يحتمل أن يكون عائداً إلى أحد أمرين:
أحدهما - قال مجاهد، والزجاج، والجبائي: إن من أهل الكتاب من آمن بمحمد (صلى الله عليه وسلم) لتقدم الذكر في
{ { يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم } }. الثاني - فمن أمة ابراهيم من آمن بابراهيم، ومنهم من صدّ عنه. كما أنكم في أمر محمد (صلى الله عليه وسلم) كذلك. وليس في ذلك توهين لأمره كما ليس فيه توهين لأمر ابراهيم. واتصال الكلام على هذا الوجه ظاهر وعلى الوجه الأول تقديره وقع هذا كله { فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه } وقال قوم: { فمنهم من آمن } بداود وسليمان { ومنهم من صدّ عنه } وليس في الآية دلالة على أن ما تقدم من الوعيد إنما صرف عنهم لأيمان هذا الفريق، لأنه قال في الآخرة { { يوم تبيض وجوه وتسود وجوه } وقال بعضهم: فيه دلالة على ذلك، ولذلك قال: { وكفى بجهنم سعيراً } أي ان كان صرف بعض العقاب، فكفى بجهنم استغرافا بالعذاب.
اللغة:
وسعير بمعنى مسعورة وترك - لأجل الصرف - التأنيث للمبالغة في الصفة كما قالوا: كف خضيب ولحية دهين. وتركت علامة التأنيث، لأنها لما كان دخولها فيما ليست له، للمبالغة نحو رجل علامة كان سقوطها فيما بقي له للمبالغة فحسن هذا التقابل في الدلالة. والسعر: ايقاد النار ومنه قوله:
{ { وإذا الجحيم سعرت } واستعرت النار والحرب والشر استعاراً. واسعرتها اسعاراً. وسعرتها تسعيراً. والسعر: سعر المتاع وسعروه تسعيراً وذلك لاستعار السوق بحماها في البيع. والساعور كالتنور في الارض. والمسعور: الذي قد ضربته السموم، والعطش. وزيدت الباء في قوله: { وكفى بجهنم } لتأكيد الاختصاص، لأنه يتعلق به من وجهين: وجه الفعل في كفى جهنم كقولك: كفى الله، ووجه الاضافة في الكفاية بجهنم. وعلى ذلك قيل: كفى بالله للدلالة على أن الكفاية تضاف إليه من أوكد الوجوه، وهو وجه الفعل، ووجه المصدر.