التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ
١١
ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ
١٢
هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ
١٣
فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ
١٤
رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ
١٥
يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ
١٦
ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
١٧
-غافر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

سبع آيات عند الكل إلا ان الشامي قد خالفهم في التفصيل، وهي عندهم سبع عدوا { يوم التلاق } ولم يعده الشامي، وعد الشامي { يومهم بارزون } ولم يعده الباقون.
حكى الله تعالى عن الكفار الذين تقدم وصفهم انهم يقولون بعد حصولهم فى النار والعذاب يا { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } قال السدي الاماتة الأولى فى الدنيا والثانية فى البرزخ إذا أحيي للمسألة قبل البعث يوم القيامة، وهو اختيار الجبائي والبلخي. وقال قتادة: الاماتة الأولى حال كونهم نطفاً فاحياهم الله، ثم يميتهم، ثم يحيهم يوم القيامة. وفي الناس من استدل بهذه الآية على صحة الرجعة، بأن قال: الاماتة الأولى في دار الدنيا والاحياء الأول حين إحيائهم للرجعة، والاماتة الثانية بعدها. والاحياء الثاني يوم القيامة، فكأنهم اعتمدوا قول السدي، ان حال كونهم نطفاً لا يقال له إماتة، لان هذا القول يفيد اماتة عن حياة والاحياء يفيد عن إماتة منافية للحياة وإن سموا في حال كونهم نطفاً مواتاً. وهذا ليس بقوي لأنه لو سلم ذلك لكان لا بد من أربع احياآت وثلاث إماتات أول إحياء حين أحياهم بعد كونهم نطفاً، لان ذلك يسمى احياء بلا شك. ثم اماتة بعد ذلك في حال الدنيا. ثم أحياء في القبر ثم إماتة بعده ثم إحياء في الرجعة ثم إماتة بعدها. ثم إحياء يوم القيامة لكن يمكن أن يقال: إن إخبار الله عن الاحياء مرتين والاماتة مرتين لا يمنع من احياء آخر وإماتة أخرى، وليس في الآية انه احياهم مرتين وأماتهم مرتين بلا زيادة، فالآية محتملة لما قالوه ومحتملة لما قاله السدي، وليس للقطع على احدهما سبيل. قال ابن عباس وعبد الله والضحاك: هو كقوله
{ { كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون } }. وقوله { فاعترفنا بذنوبنا } إخبار منه تعالى أن الكفار يعترفون بذنوبهم التي اقترفوها في الدنيا لا يمكنهم جحدها، وإنما تمنوا الخروج مما هم فيه من العذاب، فقالوا { فهل إلى خروج من سبيل } والمعنى فهل إلى خروج لنا من سبيل فنسلكه في طاعتك وإتباع مرضاتك. ولو علم الله تعالى انهم يفلحون لردهم إلى حال التكليف، لأنه لا يمنع احساناً بفعل ما ليس باحسان. ولا يؤتى احد من عقابه إلا من قبل نفسه، وكذلك قال في موضع آخر { { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } تنبيهاً أنهم لو صدقوا في ذلك لأجابهم إلى ما تمنوه، وإنما يقولون هذا القول على سبيل التمني بكل ما يجدون اليه سبيلا في التلطف للخروج عن تلك الحال، وإنه لا يمكن احداً أن يتجلد على عذاب الله، كما يمكن ان يتجلد على عذاب الدنيا. ووجه إتصال قوله { فاعترفنا بذنوبنا } بما قبله هو الاقرار بالذنب بعد الاقرار بصفة الرب، كأنه قيل: فاعترفنا بانك ربنا الذي أمتنا وأحييتنا وطال امهالك لنا فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج لنا من سبيل فنسلكه في طاعتك وإتباع مرضاتك. وفي الكلام حذف وتقديره: فاجيبوا ليس من سبيل لكم إلى الخروج { ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم } أي إذا دعي الله وحده دون آلهتكم جحدتم ذلك { وإن يشرك به تؤمنوا } أي إن يشرك به معبوداً آخر من الاصنام والأوثان تصدقوا. ثم قال { فالحكم لله } في ذلك والفاصل بين الحق والباطل { العلي الكبير } فالعلي القادر على كل شيء يجب ان يكون قادراً عليه، ويصح ذلك منه وصفة القادرين تتفاضل، فالعلي القادر الذي ليس فوقه من هو أقدر منه ولا من هو مساو له فى مقدوره، وجاز وصفه تعالى بالعلي، لان الصفة بذلك قد تقلب من علو المكان الى علو الشأن يقال: استعلى عليه بالقوة، واستعلى عليه بالحجة وليس كذلك الرفعة فلذلك لا يسمى بأنه رفيع، والكبير العظيم فى صفاته التي لا يشاركه فيها غيره. وقال الجبائي: معناه السيد الجليل. ثم قال تعالى { هو الذي يريكم آياته } يعني حججه ودلائله { وينزل من السماء رزقاً } من الغيث والمطر الذي ينبت ما هو رزق الخلق { وما يتذكر إلا من ينيب } أي ليس يتفكر فى حقيقة ذلك إلا من يرجع اليه. وقال السدي: معناه إلا من يقبل إلى طاعة الله.
ثم امر الله تعالى المكلفين، فقال { فادعوا الله مخلصين له الدين } أي وجهوا عبادتكم اليه تعالى وحده { ولو كره } ذلك { الكافرون } فلا تبالوا بهم. ثم رجع إلى وصف نفسه فقال { رفيع الدرجات } وقيل معناه رفيع طبقات الثواب التي يعطيها الانبياء والمؤمنين في الجنة (ورفيع) نكرة أجراها على الأستئناف أو على تفسير المسألة الأولى، وتقديره، وهو رفيع { ذو العرش } بانه مالكه وخالقه ومعناه عظيم الثواب لهم والمجازاة على طاعتهم { يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده } قيل: الروح القرآن وكل كتاب أنزله الله على نبي من انبيائه وقيل: معنى الروح - ها هنا - الوحي، لأنه يحيا به القلب بالخروج من الجهالة إلى المعرفة ومنه قوله
{ { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ذكره قتادة والضحاك وابن زيد. وقيل: الروح - ها هنا - النبوة، وتقديره لينذر من يلقي عليه الروح يوم التلاق: من يختاره لنبوته ويصطفيه لرسالته. وقوله { لينذر يوم التلاق } أي ليخوف يوم يلتقي فيه اهل السماء واهل الأرض - فى قول قتادة والسدي وابن زيد - وقيل يوم يلقى فيه المرؤ عمله، وهو يوم القيامة حذر منه، وقيل يوم يلتقي فيه الأولون والآخرون. والضمير في قوله { لينذر } كناية عن النبي صلى الله عليه وآله. ويحتمل ان يكون فيه ضمير الله، والأول أجود، لانه قد قرىء بالتاء، وهو حسن. ومن أثبت الياء فلأنها الأصل، ومن حذف اجتزأ بالكسرة الدالة عليها.
وقوله { يوم هم بارزون } أي يظهرون من قبورهم ويهرعون إلى ارض المحشر وهو يوم التلاق ويوم الجمع ويوم الحشر. ونصب (يوم) على الظرف. وقوله { لا يخفى على الله منهم شيء } إنما خصهم بأنه لا يخفى عليه منهم شيء وإن كان لا يخفى عليه لا منهم ولا (من) غيرهم شيء لاحد أمرين:
احدهما - أن تكون (من) لتبيين الصفة لا للتخصيص والتبعيض.
والآخر - ان يكون بمعنى يجازيهم من لا يخفى عليه شيء منهم، فذكر بالتخصيص لتخصيص الجزاء بمن يستحقه دون ما لا يستحقه ولا يصح له من المعلوم. وقيل: لا يخفى على الله منهم شيء فلذلك صح أنه انذرهم جميعاً.
وقوله { لمن الملك اليوم } قيل في معناه قولان:
احدهما - انه تعالى يقرر عباده، فيقول لمن الملك؟ فيقر المؤمنون والكافرون بأنه لله الواحد القهار.
والثاني - انه القائل لذلك وهو المجيب لنفسه، ويكون فى الاخبار بذلك مصلحة للعباد في دار التكليف. والأول أقوى لأنه عقيب قوله { يوم هم بارزون } وإنما قال { لمن الملك اليوم } مع أنه يملك الانبياء والمؤمنين في الآخرة الملك العظيم لاحد وجهين:
احدهما - لانه على تخصيص يوم القيامة قبل تمليك اهل الجنة ما يملكهم.
والثاني - لا يستحق إطلاق الصفة بالملك إلا الله تعالى، لانه يملك جميع الأمور من غير تمليك مملك، فهو أحق باطلاق الصفة. وقوله { اليوم تجزى كل نفس ما كسبت لا ظلم اليوم } اخبار منه تعالى أن يوم القيامة تجزى كل نفس على قدر عملها لا يؤاخذ أحد بجرم غيره، لا يظلم ذلك اليوم أحد ولا يبخس حقه { إن الله سريع الحساب } لا يشغله محاسبة واحد عن محاسبة غيره، فحساب جميعهم على حد واحد.