التفاسير

< >
عرض

وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ
٤١
تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ
٤٢
لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ
٤٣
فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ
٤٤
فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ
٤٥
ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ
٤٦
-غافر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة إلا ابا بكر { أدخلوا آل فرعون } بقطع الهمزة على انه يؤمر الملائكة بادخالهم النار. الباقون بوصلها بمعنى انهم يؤمرون بدخولها، وعلى الأول يكون { آل فرعون } نصباً على انه مفعول به و { أشد } المفعول الثاني. وعلى الثاني يكون نصباً على النداء.
حكى الله تعالى ان مؤمن آل فرعون قال لهم { مالي أدعوكم إلى النجاة } يعني إلى ما فيه خلاصكم: من توحيد الله وإخلاص العبادة له والاقرار بموسى عليه السلام - وهو قول الحسن وابن زيد - و { تدعونني } انتم { إلى النار } لأنهم إذا دعوا إلى عبادة غير الله التي يستحق بها النار، فكأنهم دعوا إلى النار، لأن من دعا الى سبب الشيء فقد دعا اليه، ومن صرف عن سبب الشيء فقد صرف عنه، فمن صرف عن معصية الله فقد صرف عن النار، ومن دعا اليها فقد دعا إلى النار. والدعاء طلب الطالب الفعل من غيره، فالمحق يدعو إلى عبادة الله وطاعته وكل ما أمر الله به او نهى عنه والمبطل يدعو إلى الشر والعصيان، فمنهم من يدري انه عصيان ومنهم من لا يدري ثم بين ذلك فقال { تدعونني لأكفر بالله } واجحد نعمه { وأشرك به } في العبادة { ما ليس لي به علم } مع حصول العلم ببطلانه. لأنه لا يصح ان يعلم شريك له وما لا يصح أن يعلم باطل، فدل على فساد اعتقادهم للشرك من هذه الجهة ثم قال { وأنا أدعوكم } معاشر الكفار { إلى } عبادة { العزيز } يعني القادر الذي لا يقهر، ولا يمنع لاستحالة ذلك عليه { الغفار } لمن عصاه إذا تاب اليه تفضلا منه على خلقه. وقوله { لا جرم إن ما تدعونني إليه } قال الزجاج: هو رد الكلام كأنه قال لا محالة إن لهم النار. وقال الخليل: لا جرم لا يكون إلا جواباً تقول: فعل فلان كذا فيقول المجيب: لا جرم إنه عوين والفعل منه جرم يجرم. وقال المبرد معناه حق واستحق { ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة } والمعنى ليس له دعوة ينتفع بها في أمر الدنيا ولا في الآخرة فأطلق ليس له دعوة، لأنه ابلغ وإن توهم جاهل ان له دعوة ينتفع بها، فانه لا يعتد بذلك لفساده وتناقضه. وقال السدي وقتادة والضحاك: معناه ليس لهذه الأصنام استجابة دعاء احد فى الدنيا ولا فى الآخرة. وقيل: معناه ليس لها دعوة تجاب بالآلهية في الدنيا، ولا في الآخرة { وإن مردنا إلى الله } أي وجب ان مردنا إلى الله، ووجب { وأن المسرفين } بارتكاب المعاصي. وقال مجاهد: يعني بقتل النفس من غير حلها. وقال قتادة بالاشراك بالله { هم أصحاب النار } يعني الملازمون لها. قال الحسن: هذا كله من قول مؤمن آل فرعون.
ثم قال لهم على وجه التخويف والوعظ { فستذكرون } صحة { ما أقول لكم } إذا حصلتم في العقاب يوم القيامة. ثم اخبر عن نفسه فقال { وأفوض أمري إلى الله } أي اسلمه اليه { إن الله بصير بالعباد } أي عالم بأحوالهم، وما يفعلونه من طاعة ومعصية. وقال السدي: معنى أفوض اسلم اليه. ثم اخبر تعالى فقال { فوقاه الله سيئات ما مكروا } وقال قتادة: صرف الله عنه سوء مكرهم، وكان قبطياً من قوم فرعون فنجى مع موسى. وقوله { وحاق بآل فرعون } أي حل بهم ووقع بهم { سوء العذاب } لان الله تعالى غرقهم مع فرعون، وبين انهم مع ذلك في { النار يعرضون عليها غدوّا وعشيا } يعني صباحاً ومساء، ورفع النار بدلا من قوله { سوء العذاب } { ويوم تقوم الساعة } يعني إذا كان يوم القيامة يقال للملائكة { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فيمن قطع الهمزة. ومن وصلها اراد ان الله يأمرهم بذلك. والعرض إظهار الشيء ليراه الذي يظهر له. ومنه قوله
{ { وعرضوا على ربك } أي اظهروا { صفاً } كما يظهرون للرائي لهم. ومنه قولهم: عرضت الكتاب على الأمير، فهؤلاء يعرضون على النار لينالهم من ألمها والغم بالمصير اليها. والغدو المصير إلى الشيء بالغداة غدا يغدو غدواً. وقولهم: تغدى أي اكل بالغداة، وغدا أي سابق إلى الأمر بالغداة. و (قيام الساعة) وجودها، ودخولها على استقامة بما يقوم من صفتها، وقامت السوق إذا حضر أهلها على ما جرت به العادة و { أشد العذاب } اغلظه.
وفى الآية دلالة على صحة عذاب القبر لأنه تعالى اخبر انهم يعرضون على النار غدواً وعشياً. وقال الحسن: آل فرعون اراد به من كان على دينه. وكان السدي يقول: ارواحهم في اجواف طير سود يعرضون على النار غدواً وعشياً، ويجوز ان يحيهم الله بالغداة والعشي ويعرضهم على النار، ووجه الاحتجاج على رؤساء الضلال بالاتباع انهم كانوا يدعونهم إلى اتباعهم بما يدعون من صواب مذاهبهم. وهذا يلزمهم الرفع بها عنهم وأن يسعوا في تخفيف عذابهم، فاذا هي سبب عذابهم. وقال الفراء وقوم من المفسرين - ذكره البلخي - في الكلام تقديماً وتأخيراً، وتقديره وحاق بآل فرعون سوء العذاب، ويوم تقوم الساعة يقال: لهم ادخلوا آل فرعون اشد العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشياً، ويكون معنى غدواً وعشياً مع انهم فيها أبداً أنه تتجدد جلودهم بعد الاحتراق غدواً وعشياً. وقال قوم: يجوز ان يكون المراد انهم بعرضها، كما يقال: فلان يعرضه شر شديد أي يقرب من ذلك. وقال قوم: يجوز ان يكون المراد إن اعمالهم اعمال من يستحق النار، فكأنهم يغدون ويروحون اليها باعمالهم. وقال قوم: المعنى يعرضون عليها وهم أحياء بالزجر والتحذير والوعد والوعيد، فاذا كان يوم القيامة - وماتوا على كفرهم - ادخلوا اشد العذاب.