التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ
٢٦
فَلَنُذِيقَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ ٱلَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٧
ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ
٢٨
وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا ٱلَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ ٱلأَسْفَلِينَ
٢٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
٣٠
-فصلت

التبيان الجامع لعلوم القرآن

حكى الله تعالى عن الكفار انهم يقول بعضهم لبعض { لا تسمعوا لهذا القرآن } الذي يقرؤه محمد صلى الله عليه وآله ولا تصغوا إليه { والغوا فيه } لكي تغلبوه، ويجوز ان تغلبوه، فاللغو هو الكلام الذي لا معنى له يستفاد، وإلغاء الكلمة إسقاط عملها، ويقال: لغا يلغو لغواً، ولغاً، قال الراجز:

عن اللغا ورفث التكلم

وإذا كانت جملة الكلام لغواً لا فائدة فيه لم يحسن وإذا كان تأكيداً لمعنى تقدم - وإن لم يكن له معنى في نفسه مفرد - حسن لانه يجري مجرى المتمم للكلمة التي تدل معها على المعنى، وإن لم يكن له معنى في نفسه. وقال مجاهد: قالوا خلطوا عليهم القول بالمكاء والصفير، وقال غيره: هو الضجيج والصياح، وأقسم تعالى فقال { فلنذيقن الذين كفروا } بالله وجحدوا آياته { عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون } قيل: معناه أسوأ الذي كانوا يعملون من المعاصي من جملة ما كانوا يعملون دون غيرها مما لا يستحق به العقاب. وقال قوم: خص بذلك الكبائر - زجراً وتغليظاً - بعينها. واقتصر في الصغير على الجملة فى الوعيد. ثم قال { ذلك } يعني ما تقدم الوعيد به { جزاء أعداء الله } الذين عادوه بالعصيان وكفروا به، وعادوا أولياءه: من الانبياء والمؤمنين وهي { النار } والكون فيها. فـ (النار) رفع بأنه بدل من قوله { ذلك } جزاؤهم وهو دخولهم فيها { لهم فيها دار الخلد } أي منزل دوام وتأبيد { جزاء } لهم وعقوبة على كفرهم به تعالى فى الدنيا وجحدهم لآياته. قال الفراء: هو كقولهم: لأهل الكوفة فيها دار صالحة، والدار هي الكوفة، وحسن ذلك لما اختلف لفظاهما، فكذلك قوله { ذلك جزاء أعداء الله النار } ثم قال { لهم فيها دار الخلد } وهي النار بعينها. وفي قراءة عبد الله { ذلك جزاء أعداء الله النار دار الخلد }، فهذا بين لا شيء فيه لأن الدار هي النار، فأعداء الله العصاة الذين يعاديهم الله - عز وجل - وليس هو من عداوة الانسان لغيره إلا أن يراد به أنه يعمل عمل المعادي، كما قال { { يخادعون الله والذين آمنوا... } }. ثم حكى ما يقول الكفار ايضاً، فانهم يقولون { ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس } قيل: أراد به إبليس الأبالسة وهو رأس الشياطين، وابن آدم الذي قتل أخاه، وهو قابيل. روي ذلك عن علي عليه السلام، لأن قابيل أسس الفساد في ولد آدم. وقيل: هم الدعاة إلى الضلال من الجن والانس.
وقوله { نجعلهما تحت أقدامنا } انهم لشدة عداوتهم وبغضهم لهم بما أضلوهم وأغووهم يتمنون ان يجعلوهما تحت اقدامهم ويطؤهم { ليكونا من الأسفلين } وقيل: المعنى فيكونا فى الدرك الاسفل من النار.
وقوله { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا } اخبار منه تعالى أن الذين يقرون بلسانهم بتوحيد الله ويصدقون أنبياءه ويعترفون بالله { يقولون ربنا الله ثم استقاموا } أي استمروا على ما توجبه الربوبية. وقال الحسن وقتادة وابن زيد: معناه ثم استقاموا على طاعة الله { تتنزل عليهم الملائكة } قال مجاهد والسدي: يعني عند الموت. وقال الحسن: تتنزل عليهم الملائكة تستقبلهم إذا خرجوا من قبورهم في الموقف بالبشارة. ويقولون لهم { لا تخافوا } عقاب الله { ولا تحزنوا } لفوات الثواب { وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } بها في دار الدنيا جزاء على الطاعات. وموضع { أن لا تخافوا } النصب وتقديره تتنزل عليهم والملائكة بأن لا تخافوا، فلما حذف الباء نصب، وفي قراءة عبد الله { لا تخافوا } بلا (أن) قبلها، وتقديره يقولون لهم: لا تخافوا، وقال مجاهد: معنى لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة، ولا تحزنوا على ما تخلفونه فى دار الدنيا. وقيل البشرى فى ثلاثة مواضع: عند الموت، وفي القبر، وفي البعث.