التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
عۤسۤقۤ
٢
كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٣
لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ
٤
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥
-الشورى

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات فى الكوفى وثلاث فى ما عداه عدّ الكوفيون { حم } وعدّوا { عسق } ولم يعده الباقون.
قال ابو عبد الله بن خالويه سألت ابن مجاهد، فقلت: إن القاف أبعد من الميم، فلم اظهر حمزة النون عند الميم في (طسم) ولم يظهرها عند القاف في (عسق) فقال والله ما فكرت في هذا قط، قال ابو عبد الله الحجة فى ذلك ان (طسم) اول سورة النمل ثم جاءت سورتان فيهما الميم، فبين ليعلم ان الميم زائدة على هجاء السين واتفق اهل الكوفة على ان لم يفردوا السين بين حرفين في الكلام هذا على الأصل. واما الحجة من جهة التخفي، فان النون تدغم في الميم وتخفى عند القاف والمخفي بمنزلة المظهر، فلما كره التشديد في (طسم) اظهروا لما كان المخفي بمنزلة الظاهر ولم يحتج إلى اظهار القاف، قال الفراء: ذكر عن ابن عباس انه قال (حمسق) بلا عين. وقال السين كل فرقة تكون. والقاف كل جماعة كانت، قال الفراء وكانت في بعض مصاحف عبد الله مثل ذلك. وقرأ ابن كثير وحده { يوحي إليك } بفتح الحاء على ما لم يسم فاعله، فعلى هذا يكون اسم الله مرتفعاً بمحذوف يدل عليه المذكور قال الشاعر:

ليبك يزيد ضارع لخصومة ومختبط مما تطيح الطوائح

أي يبكيه ضارع، فيكون التقدير يوحى اليك يوحي الله. قال ابو علي: ذكر أن مثل هذه السورة أوحى إلى من تقدم من الأنبياء، فعلى هذا يكون التقدير يوحي اليك هذه السورة كما اوحى إلى الذين، وقال الزجاج، والفراء: يقال إن { حمعسق } اوحيت إلى كل نبي كما اوحيت إلى محمد صلى الله عليه وآله قال ابن عباس: وبها كان علي عليه السلام يعلم الفتن. وقرأ الباقون يوحي - بكسر الحاء - فيكون على هذا إسم الله مرتفعاً بأنه فاعل (يوحي) وقد قرىء شاذاً { نوحي } بالنون مع كسر الحاء فعلى هذا يحتمل رفع اسم الله لوجهين:
احدهما - ان يكون رفعاً بالابتداء.
والثاني - ان يكون مرتفعاً بفعل مقدر يدل عليه { يوحى } الأول، كما قلناه في من فتح الحاء. ويجوز أن يكون بدلا من الضمير. ويجوز أن يجعل اسم الله خبر ابتداء محذوف، وتقديره هو الله العزيز الحكيم. وقرأ ابو عمرو وعاصم فى رواية أبي بكر { يكاد } بالياء { ينفطرن } بالياء والنون، لأن تأنيث السموات غير حقيقي، وقد تقدم الفعل ولذلك أتت (يتفطرن) لما تأخر الفعل عن السموات وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة في رواية حفص (تكاد) بالتاء لتأنيث السموات (وينفطرن) بالياء والنون لما قدمناه. وقرأ نافع والكسائي { يكاد } بالياء لما قلناه من ان التأنيث غير حقيقي { يتفطرن } بياء، وتاء و { يتفطرن } في معنى تنفطر وهو مضارع فطرته فتفطر وفطرته بالتخفيف فانفطر، ومعنى بتفطرن يتشققن.
قيل إنما عدوا { حم } و { عسق } آية ولم يعد { طس } لأن { طس } لما انفرد عن نظيره من { طسم } فاشبه الاسم حمل عليه، ولما لم ينفرد { حم } عن نظيره جرى عليه حكم الجملة التامة التي تعد آية من اجل انها آية. فلما اجتمع في (طس) الانفراد عن النظير وأشبه (قابيل) وكل واحد من هذين الوجهين يقتضي مخالفة حكم (طسم) وجب الخلاف. وأما إنفراد (حاميم) بالزنة فقط، لم يجب الخلاف كما وجب في ما اجتمع فيه سببان. وفى (حم) من الفائدة تعظيم الله - عز وجل - السورة وتسميتها وتشريفاً لها وتنويهاً باسمها وإجراؤها في التفصيل مجرى ما يعقل في فضله على ما لا يعقل من الاجسام والاعراض. وقيل ان { حم عسق } انفردت بأن معاينها اوحيت إلى سائر الأنبياء، فلذلك خصت بهذه التسمية. وقيل إنما فصل { حم عسق } من سائر الحواميم بـ (عسق) لان جميعها استفتح بذكر الكتاب على التصريح به إلا هذه السورة فانه دل عليه دلالة التضمين بذكر الوحي الذي يرجع إلى الكتاب، والوحي أعم من الكتاب في معناه إلا انه دال في هذا الموضع على الكتاب بهذه الصفة.
وقوله { كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك } قيل في المشبه به في قوله { كذلك } وجهان:
احدهما - كالوحي الذي تقدم يوحي اليك.
والثاني - هذا الوحي الذي يأتي في هذه السورة يوحى اليك، لان ما لم يكن حاضراً يراه صلح فيه (هذا) لقرب وقته و (ذلك) لبعده في نفسه. ومعنى التشبيه في { كذلك } أن بعضه كبعض في انه حكمة وصواب بما تضمنه من الحجج والمواعظ والفوائد التي يعمل عليها في الدين { وإلى الذين من قبلك } معناه مثل ذلك اوحى إلى الذين من قبلك من الأنبياء وتعبدهم بشريعة كما تعبدك بمثل ذلك.
وقوله { العزيز الحكيم } معناه القادر الذي لا يغالب الحكيم في جميع أفعاله. ومن كان بهاتين الصفتين خلصت له الحكمة في كل ما يأتي به، لانه العزيز الذي لا يغالب والغني الذي لا يحتاج إلى شيء، ولا يجوز أن يمنعه مانع مما يريده، وهو الحكيم العليم بالأمور لا يخفى عليه شيء منها لا يجوز أن يأتي إلا بالحكمة. فاما الحكيم غيره يحتاج فلا يوثق بكل ما يأتي به إلا أن يدل على ذلك الحكمة دليل.
قوله { له ما في السماوات والأرض } معناه أنه مالكهما ومدبرهما وله التصرف فيهما ولا احد له منعه من ذلك ويكون { العلي } مع ذلك بمعنى المستعلي على كل قادر العظيم في صفاته التي لا يشاركه فيها احد.
وقوله { تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن } قيل فى معناه قولان:
احدهما - قال ابن عباس وقتادة والضحاك: يتفطرن من فوقهن من عظمة الله وجلاله.
والثاني - ان السموات تكاد تتفطرن من فوقهن استعظاماً للكفر بالله والعصيان له مع حقوقه الواجبة على خلقه، وذلك على وجه التمثيل ليس لأن السموات تفعل شيئاً او تنكر شيئاً، وإنما المراد ان السموات لو انشقت لمعصيته استعظاماً لها أو لشيء من الاشياء لتفطرت استعظاماً لكفر من كفر بالله وعبد معه غيره.
وقوله { الملائكة يسبحون بحمد ربهم } معناه ينزهونه عما لا يجوز عليه من صفات، وما لا يليق به من افعال { ويستغفرون لمن في الأرض } من المؤمنين. وفي ذلك صرف الاهلاك لهم ولغيرهم من اهل الأرض يصرفه عنهم.
ثم قال { ألا إن الله هو الغفور الرحيم } لعباده عصيانهم تارة بالتوبة وتارة ابتداء منه كل ذلك تفضلا منه ورأفة بهم ورحمة لهم.