التفاسير

< >
عرض

فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٣٦
وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ
٣٧
وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٣٨
وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ
٣٩
وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
-الشورى

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الكوفة إلا عاصما { كبير الإثم } على التوحيد. الباقون { كبائر } على الجمع جمع التكسير. ومن وحد قال: إنه اسم جنس يقع على القليل والكثير. وقال قوم: اراد الشرك فقط. ومن جمع، فلان انواع الفواحش، واختلاف اجناسها كثيرة.
يقول الله تعالى مخاطباً لمن تقدم وصفه { وما أوتيتم } يعني ان الذي اوتيتموه وأعطيتموه { من شي ء } من الاموال، { فمتاع الحياة الدنيا } أى هو شيء ينتفع به عاجلا لا بقاء له ولا محصول له. والمتاع يخير به عن الامتاع ويعبر به عن الاثاث، ففي ذلك تزهيد في الدنيا وحث على عمل الآخرة. ثم قال { وما عند الله } يعني من الثواب في الجنة { خير وأبقى } من هذه المنافع العاجلة التي هي قليلة والآخرة باقية دائمة، وهذه فانية منقطعة. ثم بين انها حاصلة { للذين آمنوا } بتوحيد الله وتصديق رسله { وعلى ربهم يتوكلون } أى يفوضون أمرهم اليه تعالى دون غيره فالتوكل على الله تفويض الامر اليه باعتقاد أنها جارية من قبله على احسن التدبير مع الفزع اليه بالدعاء في كلما ينوب. والتوكل واجب، الترغيب فيه كالترغيب في جملة الايمان.
وقوله { والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش } يحتمل ان يكون (الذين) في موضع جر بالعطف على قوله { للذين } فكأنه قال وما عند الله خير وأبقى للمؤمنين المتوكلين على ربهم المجتنبين كبائر الاثم والذنوب. والفواحش جمع فاحشة، وهي اقبح القبيح. ويحتمل ان يكون في موضع رفع بالابتداء، ويكون الخبر محذوفاً، وتقديره الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش { وإذا ما غضبوا } مما يفعل بهم من الظلم والاساءة { هم يغفرون } ويتجاوزون عنه ولا يكافونهم عليه لهم مثل ذلك. والعفو المراد في الآية هو ما يتعلق بالاساءة الى نفوسهم الذى لهم الاختصاص بها فمتى عفوا عنها كانوا ممدوحين. فأما ما يتعلق بحدود الله ووجوب حدوده فليس للامام تركها ولا العفو عنها، ولا يجوز له ان يعفو عن المرتد وعمن يجرى مجراه. ثم زاد في صفاتهم فقال { والذين استجابوا لربهم } في ما دعاهم اليه { وأقاموا الصلاة } على حقها { وأمرهم شورى بينهم } أى لا ينفردون بأمر حتى يشاوروا غيرهم، لانه قيل: ما تشاور قوم إلا وفقوا لأحسن ما يحضرهم { ومما رزقناهم ينفقون } في طاعة الله وسبيل الخير.
ثم قال { والذين إذا أصابهم البغي } من غيرهم وظلم من جهتهم { هم ينتصرون } يعني ممن بغى عليهم من غير ان يعتدوا فيها فيقتلوا غير القاتل ويجنوا على غير الجاني، وفي قوله { والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون } ترغيب في انكار المنكر. ثم قال { وجزاء سيئة سيئة مثلها } قال ابو نجيح والسدى: معناه إذا قال أخزاه الله متعدياً قال له مثل ذلك اخزاه الله. ويحتمل ان يكون المراد ما جعل الله لنا إلا الاقتصاص منه من
{ { النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص } فان للمجني عليه أن يفعل بالجاني مثل ذلك من غير زيادة وسماه سيئة للازدواج، كما قال { { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقال { { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ثم مدح العافي عما له أن يفعله، فقال { فمن عفى وأصلح } عما له المؤاخذة فيه { فأجره } في ذلك وجزاؤه { على الله } فانه يثيبه على ذلك.
وقوله { إنه لا يحب الظالمين } قيل فى معناه وجهان:
احدهما - إني لم ارغبكم في العفو عن الظالم لأني أحبه، بل لأني أحب الاحسان والعفو.
والثاني - إني لا أحب الظالم لتعديه ما هو له إلى ما ليس له في القصاص ولا غيره.
وقيل الكبائر الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنات، وعقوق الوالدين، واكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، واكل الحرام.
وعندنا كل معصية كبيرة، وإنما تسمى صغيرة بالاضافة إلى ما هو اكبر منها لا انها تقع محبطة، لان الاحباط باطل عندنا. وقيل إن هذه الآيات نزلت في قوم من المهاجرين والانصار.