التفاسير

< >
عرض

وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ
٣١
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٣٢
وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ
٣٣
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ
٣٤
وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ
٣٥
-الزخرف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وابو عمرو { سقفاً } على التوحيد - بفتح السين - الباقون { سقفاً } بضم السين والقاف - على الجمع - وقرأ حمزة والكسائي { لما متاع الحياة الدنيا } مشددة الميم. الباقون خفيفة. من شدد الميم جعل (لما) بمعنى (إلا) ومن خفف جعل (ما) صلة إلا ابن عامر فانه خفف وشدد. قال ابو علي: من خفف جعل (إن) المخففة من الثقيلة وأدخل اللام للفصل بين النفي والايجاب، كقوله { { وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين } ومن نصب بها مخففة، فقال إن زيداً منطلق استغنى عن اللام، لأن النافية لا ينتصب بعدها الاسم، و (ما) زائدة. والمعنى: وإن كل ذلك لمتاع الحياة.
حكى الله عن هؤلاء الكفار الذين حكى عنهم أنهم قالوا لما جاءهم الحق الذي هو القرآن { لولا نزل } إن كان حقاً { على رجل من القريتين عظيم } يعني بالقريتين مكة والطائف، ويعنون بالرجل العظيم من احد القريتين - فى قول ابن عباس - الوليد ابن المغيرة المخزومي القرشي من أهل مكة، أو حبيب بن عمرو ابن عمير من الطائف، وهو الثقفي. وقال مجاهد: يعني بالذي من أهل مكة عقبة بن ربيعة، والذي من اهل الطائف ابن عبد باليل. وقال قتادة: الذى من أهل مكة يريدون الوليد ابن المغيرة، والذى من اهل الطائف عروة بن مسعود الثقفي. وقال السدى: الذى من أهل الطائف كنانة بن عمرو. وإنما قالوا ذلك لأن الرجلين كانا عظيمي قومهما، وذوى الأموال الجسيمة فيهما، فدخلت الشبهة عليهم فاعتقدوا أن من كان كذلك كان أولى بالنبوة. وهذا غلط لان الله تعالى يقسم الرحمة بالنبوة كما يقسم الرزق في المعيشة على حسب ما يعلم من مصالح عباده فليس لأحد ان يتحكم في شيء من ذلك. فقال تعالى على وجه الانكار عليهم والتهجين لقولهم { أهم يقسمون رحمة ربك } أى ليس لهم ذلك بل ذلك اليه تعالى.
ثم قال تعالى { نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً } وقيل: الوجه في إختلاف الرزق بين الخلق في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة إن في ذلك تسخير بعض العباد لبعض باحواجهم اليهم، لما فى ذلك من الأحوال التي تدعو إلى طلب الرّفعة وارتباط النعمة ولما فيه من الاعتبار بحال الغنى والحاجة، وما فيه من صحة التكليف على المثوبة.
ثم قال تعالى { ورحمة ربك خير مما يجمعون } يعني رحمة الله ونعمه من الثواب في الجنة خير مما يجمعه هؤلاء الكفار من حطام الدنيا.
ثم اخبر تعالى عن هوان الدنيا عليه وقلة مقدارها عنده بأن قال { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة } أي لولا انهم يصيرون كلهم كفاراً { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون } استحقاراً للدنيا وقلة مقدارها ولكن لا يفعل ذلك، لانه يكون مفسدة. والله تعالى لا يفعل ما فيه مفسدة. ثم زاد على ذلك وكنا نجعل لبيوتهم على كون سقفهم من فضة معارج، والسقف بالضم سقف مثل رهن ورهن. وقال مجاهد: كل شيء من السماء فهو سقف، وكل شيء من البيوت فهو سقف بضمتين، ومنه قوله
{ { وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } قال الفراء قوله { لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً } يحتمل أن تكون اللام الثانية مؤكدة للاولى، ويحتمل أن تكون الثانية بمعنى (على) كأنه قال لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم سقفاً، كما تقول: جعلنا لك لقومك العطاء أي جعلته لاجلك { ولبيوتهم أبواباً وسرراً } جمع سرير { عليها يتكؤن } من فضة ايضاً وحذف لدلالة الكلام عليها. وقوله { وزخرفاً } قال ابن عباس: هو الذهب. وبه قال الحسن وقتادة والضحاك. وقال ابن زيد: هو الفرش ومتاع البيت، والمزخرف المزين. وقال الحسن المزخرف المنقوش والسقف جمع سقوف كرهون ورهن. وقيل: هو جمع سقف ولا نظير له والأول أولى، لانه على وزن زبور وزبر. والمعارج الدرج - فى قول ابن عباس وقتادة - وهي المراقي قال جندب بن المثنى:

يا رب رب البيت ذي المعارج

{ ومعارج } درجا { عليها يظهرون } أي يصعدون. وقال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي لولا ان يكون الناس أمة واحدة أي يجتمعون كلهم على الكفر. وقال ابن زيد: معناه يصيرون كلهم أمة واحدة على طلب الدنيا.
ثم قال { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } معناه ليس كل ذلك يعني ما ذكره من الذهب والفضة والزخرف إلا متاع الحياة الدنيا الذي ينتفع به قليلا ثم يفنى وينقطع.
ثم قال { والآخرة } أي العاقبة { عند ربك } الثواب الدائم { للمتقين } الذين يتقون معاصيه ويفعلون طاعاته فصار كل عمل ما للدنيا صغير بالاضافة إلى ما يعمل للاخرة، لأن ما يعمل للدنيا منقطع وما يعمل للآخرة دائم.