التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ
٤٦
فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ
٤٧
وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
٤٨
وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ
٤٩
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ
٥٠
-الزخرف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا قسم من الله تعالى بأنه أرسل موسى بالآيات الباهرات والحجج الواضحات إلى فرعون واشراف قومه وخص الملاء بالذكر، وان كان مرسلا إلى غيرهم، لان من عداهم تبع لهؤلاء، فقال موسى له { إني رسول من رب العالمين } الذي خلق الخلق أرسلني اليكم. ثم اخبر تعالى فقال { فلما جاءهم بآياتنا } يعني موسى جاء إلى فرعون وملائه بالآيات والحجج { إذا هم منها } يعني من تلك الآيات { يضحكون } جهلا منهم بما عليهم من ترك النظر فيها، وما لم من النفع بحصول علمهم بها. وفى الخبر عن ضحك أولئك الجهال عند ظهور الآيات زجر عن مثل حالهم ودعاء إلى العلم الذي ينافي الجهل. وفيه ايضاً أنه لا ينبغي ان يلتفت إلى تضاحك أمثالهم من الأدلة إذا كان الانسان على يقين من أمره. والانبياء كلهم يشتركون فى الدعاء إلى الله باخلاص عبادته وطاعته فى جميع ما يأمر به او ينهى عنه، ودعوتهم إلى محاسن الأفعال ومكارم الاخلاق وإن اختلفت شرائعهم وتبانيت مللهم ونسخت بعضها بعضاً.
وقوله { وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها } معناه إنه تعالى لا يريهم يعني فرعون وقومه معجزة ولا دلالة إلا وهي اكبر من الاخرى عند إدراك الانسان لها لما يهوله من أمرها، فيجد نفسه يقضي أنها اكبر كما يقول الانسان: هذه العلة التي نزلت بي اعظم من كل علة، وهو يريد أن لها مزية اعظم منها لا انه ذهب هول الأولى بانصرافها وحكم الثانية بحضورها. وقال قوم: المعنى وما نريهم من آية إلا هي أهول فى صدورهم من التي مضت قبلها.
ثم قال تعالى { وأخذناهم بالعذاب } إذ عصوا فيها، وكفروا بها { لعلهم يرجعون } إلى طاعته وإنما جاز أخذهم بالعذاب ليرجعوا مع العلم بأنهم لا يرجعون لامكان أن يرجعوا اليه، لأن كلما فى المعلوم أنه لا يقع لا يجوز أن يفعل العالم شيئاً من أجل انه سيقع ولكن يجوز أن يفعل شيئاً لامكان أن يقع والمعنى - هٰهنا - لعلهم يرجعون الى طريق الحق الذي ذهبوا عنه الى طريق الباطل.
ثم حكى تعالى ما قال فرعون وملاءه لموسى عند ذلك فانهم { وقالوا يا أيها الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون } وقال قوم: إنما قالوا له يا أيها الساحر لجهلهم بنبوته وصدقه واعتقادهم انه سحرهم بذلك. وقال قوم: كان الساحر عندهم هو العالم ولم يكن صفة ذم. وقال الحسن: إنما قالوا ذلك على وجه الاستهزاء بموسى، كما قال المشركون
{ { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } وقال الزجاج: وجه ذلك انه جرى ذلك على ألسنتهم على عادتهم فيه قبل ذلك. وقال قوم: أرادوا يا أيها الفطن يا أيها العالم، لأن السحر عندهم دقة النظر والعلم بالشيء كالسحر الحلال، يقال فلان: يسحر بكلامه. وقال قوم: وخاطبوه بما تقدم تشبيهاً له بالساحر، فقالوا له { ادع لنا ربك بما عهد عندك } معناه أن يا موسى ادع لنا ربك ليكشف عنا العذاب - فى قول مجاهد - فانه متى كشف عنا ذلك اهتدينا ورجعنا إلى الحق الذي يدعونا اليه. وفى الكلام حذف لأن تقديره فدعا موسى وسأل ربه وضرع اليه أن يكشف عنهم العذاب، فكشف الله عنهم ذلك فاذا هم عند ذلك ينكثون. ومعناه ينقضون ما عقدوا على أنفسهم. وقال قتادة: معناه يغدرون، وإنما أخبر الله تعالى وقص خبر موسى وما جرى له تسلية للنبي صلى الله عليه وآله والمعنى إن حال موسى مع قومه وحالك مع قومك سواء، فاصبر إن أمرك يؤل إلى الاستعلاء، كما آل أمر موسى عليه السلام.