التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ
٥١
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
٥٢
يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ
٥٣
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ
٥٤
يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ
٥٥
لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ
٥٦
فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٥٧
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٥٨
فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ
٥٩
-الدخان

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر ونافع { في مقام } بضم الميم، وهو موضع الاقامة. الباقون بفتح الميم، وهو موضع القيام.
لما اخبر الله تعالى عن الكفار وما يفعله بهم من انواع العقاب، أخبر عن حال المطيعين وما أعده لهم من الثواب، فقال { إن المتقين } يعني الذين يجتنبون معاصيه لكونها قبائح، ويفعلون طاعاته لكونها طاعة { في مقام أمين } أي موضع إقامة - فيمن ضم الميم - ومن فتحها يريد أنهم فى موضع قيامهم، ووصفه بأنهم في { مقام أمين } من كل ما يخاف، وليس هذا فى الدنيا، لانه لا يخلو منها احد من موقف خوف من مرض او أذى او غير ذلك.
ثم بين ذلك المقام فقال { في جنات } يعني بساتين تجنها الأشجار { وعيون } ماء نابعة فيها { يلبسون من سندس واستبرق } فالسندس الحرير - في قول الحسن. والاستبرق الديباج الغليظ - في قول قتادة - وإنما رغبهم في ذلك بحسب ما كانوا يعرفونه، وإن كان - ههنا - ما هو ارفع منها واحسن { متقابلين } أي يقابل بعضهم بعضاً بالمحبة، لا متدابرين بالبغضة. ثم قال ومثل ما فعلنا بهم { كذلك وزوجناهم بحور عين } فالحور جمع حوراء من الحور، وهو شدة البياض. وقال قتادة { بحور } أي ببيض، ومنه الحور لبياضه، وحورته أي بيضته من حار يحور أي رجع إلى الحالة الأولى كما يرجع إلى حال الأبيض، ومنه المحور "والعين" جمع عيناء وهي الواسعة العين الحسنة، وكذلك لهم فى حكم الله. وقال الحسن: العيناء الشديدة السواد سواد العين، الشديدة البياض بياضها { يدعون فيها بكل فاكهة آمنين } أي يستدعون أي ثمرة شاؤا غير خائفين فوتها. ثم قال { لا يذوقون فيها } يعني في الجنة { الموت إلا الموتة الأولى } شبه الموت بالطعام الذي يذاق وينكر عند المذاق. ثم نفى ذلك، وانه لا يكون ذلك فى الجنة، وإنما خصهم بأنهم لا يذوقون الموت مع أن جميع الحيوان يوم القيامة لا يذوقون الموت، لما في ذلك من البشارة لهم بانتهاء ذلك إلى الحياة الهنيئة فى الجنة، فأما من يكون فيها هو كحال الموت في الشدة، فلا يطلق له هذه الصفة، لانه يموت موتات كثيرة بما يلاقي ويقاسي من الشدة، واما غير المكلفين، فليس مما يعقل، فتلحقه هذه البشارة وإن عم ذلك اهل الجنة.
وقوله { إلا الموتة الأولى } قيل ان (إلا) بمعنى (بعد) كأنه قال بعد الموتة الاولى. وقيل: معنى (إلا) سوى كأنه قال: سوى الموتة الأولى. وقيل: إنها بمعنى (لكن) وتقديره لكن الموتة الأولى قد ذاقوها. وقال الجبائي: هذا حكاية حال المؤمنين فى الآخرة، فلما اخبرهم بذلك فى الدنيا، وهم لم يذوقوا بعد الموت جاز أن يقال لا يذوقون الموت فى المستقبل إلا الموتة الأولى يخرجون بها من دار التكليف، وهذا ضعيف، لان في ذلك خبر عن حكمهم فى الجنة وأنهم لا يذوقون فيها الموت ثم استثنى من ذلك الموتة الأولى، وكيف يرد إلى دار الدنيا؟! وحقيقة (إلا) إخراج بعض عن كل وحقيقة (بعد) إخراج الثاني عن الوقت الاول.
وقوله { ووقاهم عذاب الجحيم } أي يصرف عنهم عذاب النار، وليس في ذلك ما يدل على أن الفاسق الملي لا يعذب ويخرج من النار، من حيث أنه لا يكون قد وقي النار، لانه يحتمل أمرين:
احدهما - ان يكون ذلك مخصوصاً بمن لا يدخل النار ممن لا يستحقه او بمن عفي عنه.
والثاني - ان يكون المراد { ووقاهم عذاب الجحيم } على وجه التأبيد او على الوجه الذي يعذب عليه الكفار.
ثم بين أن ذلك فضل من الله، ونصبه على المصدر، وتقديره فضل فضلا منه تعالى. واخبر بأن { ذلك هو الفوز العظيم } يعني الفلاح العظيم.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله { إنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } يعنى باللغة العربية ليفقهوه ويتفكروا فيه، فيعلموا ان الامر على ما قلناه. ثم أمره صلى الله عليه وآله فقال { فارتقب } أي انتظر يا محمد مجيء ما وعدتك به { إنهم منتظرون } ايضاً وهو قول قتادة، وإنما قال فيهم { إنهم منتظرون } لانهم في مثل حال المنتظر فى انه سيأتيه عاقبة حاله كما يأتي المنتظر.