التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ
٦
وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ
٧
يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٨
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَٰتِنَا شَيْئاً ٱتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٩
مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً وَلاَ مَا ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوْلِيَآءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
١٠
-الجاثية

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي { تؤمنون } بالتاء على وجه الخطاب للكفار على تقدير قل لهم يا محمد. الباقون بالياء على وجه الاخبار عنهم والتعجب منهم.
لما اخبر الله تعالى عن القرآن بأنه تنزيل من الله وأن في السموات والأرض آيات ودلالات لمن نظر فيها تدل على الحق وأن في أنفس الخلق وإنزال الماء من السماء وإخراج النبات وبث انواع الحيوان أدلة لخلقه تدلهم على توحيد الله وحكمته لمن انعم النظر فيها، بين ها هنا أن ما ذكره أدلة الله التي نصبها لخلقه المكلفين لازاحة علتهم وانه يتلوها بمعنى يقرؤها على نبيه محمد ليقرءها عليهم بالحق دون الباطل. والتلاوة الاتيان بالثانى في أثر الأول في القراءة، فتلاوة الحروف بعضها بعضاً يكون في الكتابة والقراءة، وفلان يتلو فلاناً أي يأتي بعده، وفلان يتلو القرآن أي يقرؤه، والحق الذي تتلى به الآيات هو كلام مدلوله على ما هو به في جميع أنواعه. والفرق بين حديث القرآن وآياته ان حديثه قصص تستخرج منه عبر تدل على الحق من الباطل، والآيات هي الأدلة التي تفصل بين الصحيح والفاسد فهو مصروف في الأمرين ليسلك الناظر فيه الطريقين، لما له في كل واحد منهما من الفائدة في القطع بأحد الحالين في أمور الدين.
ثم قال على وجه التهجين لهم إن هؤلاء الكفار إن لم يصدقوا بما تلوناه فبأي شيء بعده يؤمنون.
ثم قال مهدداً لهم { ويل لكل أفاك أثيم } فالويل قيل: إنه واد سائل من جهنم صديد أهلها. وقيل: إن الويل كلمة يتلقى بها الكفار والفساق تتضمن استحقاقهم العقاب، والأفاك الكذّاب ويطلق ذلك على من يكثر كذبه او يعظم كذبه وإن كان في خبر واحد، ككذب مسيلمة في ادعاه النبوة. والأثيم ذو الاثم، وهو صاحب المعصية التي يستحق بها العقاب.
ثم وصف هذا الأفاك الاثيم، فقال { يسمع آيات الله } أي حججه { تتلى عليه } أي تقرأ { ثم يصر } أي يقيم مصرّاً على كفره { مستكبراً } متجبراً عن النظر في آيات الله لا ينظر فيها ولا يعتبر بها { كأن لم يسمعها } أصلا.
ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله أن يبشر من هذه صفته فقال { فبشره بعذاب أليم } أي مؤلم موجع. ثم عاد تعالى إلى وصفه فقال { وإذا علم من آياتنا شيئاً } اتخذها هزواً أي إذا علم هذا الافاك الاثيم من حجج الله تعالى وأدلته شيئاً وسمعها { اتخذها هزواً } أي سخر منها وتلهى بها، كما فعل ابو جهل حين سمع قوله
{ { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } ثم قال أولئك يعني من هذه صفته { لهم عذاب مهين } أي مذل لهم. ثم قال { من ورائهم جهنم } أي من بين أيديهم يعني يوم القيامة (جهنم) معدة لهم وإنما قيل: لما بين ايديهم من ورائهم، والوراء هو الخلف، لانه يكون مستقبل أوقاتهم بعد تقضيهم ومعناه ما توارى عنهم قد يكون قداماً وخلفاً فهو لهذه العلة يصلح فيه الوجهان ثم قال تعالى { ولا يغني عنهم } إذا جعلوا في جهنم ما كسبوه في دار الدنيا من جمع الاموال ولا شيئاً يغني عنهم أيضا { ما اتخذوا من دون الله أولياء } يتولونهم ويحبونهم لينصروهم ويدفعوا عنهم { ولهم عذاب عظيم } ووصفه بأنه عظيم، لانه مؤبد نعوذ بالله منه.