قرأ عاصم وحمزة وخلف { لا يرى } بالياء مضمومة، على ما لم يسم فاعله { إلا مساكنهم } برفع النون. الباقون - بالتاء - ونصب النون. من ضم الياء فعلى ما لم يسم فاعله. ومن فتح التاء، فعلى الخطاب، والمعنيان متقاربان.
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { واذكر } يا محمد { أخا عاد } يعني هوداً عليه السلام { إذ أنذر قومه } أي خوفهم من الكفر بالله وحذرهم معاصيه ودعاهم إلى طاعته { بالأحقاف } قال ابن عباس: هو واد بين عمان ومهوة، وقال ابن اسحاق:
الاحقاف الرمل في ما بين عمان إلى حضرموت. وقال قتادة: الاحقاق رمال
مشرفة على البحر بالشجر من اليمن، وقال الحسن: الاحقاف أرض خلالها رمال.
وقال الضحاك: جبل بالشام يسمى بذلك، قال العجاج:
بات إلى ارطات حقف أحقفا
أي رمل مشرف، وقال ابن زيد: الحقف الرمل يكون كهيئة الجبل.
وقال المبرد: الحقف هو كثيب المكثر غير العظيم وفيه اعوجاج، قال العجاج:
سماوة الهلال حتى احقوقفا
وهو انحناؤه. وقوله { وقد خلت النذر } أي مضت الرسل { من بين يديه ومن خلفه } أي قدامه ووراءه { ألا تعبدوا إلا الله } أي انذرهم وخوفهم بان لا تعبدوا إلا الله. وقال لهم { إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم } يعني عذاب يوم القيامة.
ثم حكى ما اجاب به قومه وانهم { قالوا أجئتنا } يا هود { لتأفكنا }
أي لتلفتنا وتصرفنا { عن } عبادة { آلهتنا } بالكذب والافك { فأتنا بما تعدنا } من العذاب { إن كنت } صادقاً { من الصادقين } فانا لا نصدقك في ما تقوله، فقال هود لهم { إنما العلم عند الله } يريد العلم بوقت إنزال العذاب بكم عند الله، وهو العالم به ولا أعلمه مفصلا { وأبلغكم ما أرسلت به } أي أؤدي اليكم ما بعثت به اليكم من الدعاء إلى عبادة الله وإخلاص القربة اليه، فلست اراكم تقبلون ذلك { ولكني أراكم قوماً تجهلون } أي تفعلون ما يفعله الجهال.
وقوله { فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم } معناه فلما رأو العذاب وشاهدوه أطل عليهم { قالوا هذا عارض } أي سحاب { ممطرنا } والعارض المار بمعنى انه
لا يلبث من خير أو شر، فلما رأو العارض ظنوا انه عارض خير بالمطر، فقيل لهم ليس الأمر كما ظننتم { بل هو ما استعجلتم } أي هو عارض من العذاب الذي استعجلتموه وطلبتموه مكذبين به، وقال (عارض) نكرة و (ممطرنا) معرفة، وإنما وصفه به لان التقدير ممطر إيانا، كقولك: مررت برجل مثلك أي مثل لك ثم فسره فقال "هو ريح فيه عذاب عظيم" أي مؤلم، وسمي السحاب عارضاً، لأخذه فى عرض السماء، وقال الاعشى:
يا من رأى عارضاً قد بت أرمقه كأنما البرق فى حافاته الشعل
وقيل: كانت الريح ترفع الظعينة بحملها حتى ترى كأنها جرادة - فى قول عمرو بن ميمون - وقوله تعالى { تدمر كل شيء } أي تخرب وتلقي بعض الاشياء على بعض حتى تهلك، قال جرير:
وكان لهم كبكر ثمود لما رغا ظهراً فدمرهم دمارا.
وقوله { فأصبحوا } يعني اهل الاحقاف { لا يرى إلا مساكنهم } وما عداها قد هلك. فمن فتح التاء نصب النون من { مساكنهم } على وجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله. ومن ضم الياء ضم النون وتقديره فأصبحوا لا يرى شيء فى مساكنهم وقرأ الحسن بالتاء والضم. وقال النحويون: القراءة بالياء ضعيفة فى العربية، لأن العرب تذكر ما قبل (الا) فى الجحد، فتقول: ما قام إلا اختك، لان المحذوف (أحد) وتقديره ما قام احد إلا اختك قامت.
ثم قال تعالى مثل ما أهلكنا اهل الاحقاف وجازيناهم بالعذاب { كذلك نجزي القوم المجرمين } الذين سلكوا مسلكهم.