التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ
١
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ
٢
ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ
٣
فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
٤
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ
٥
-محمد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات كوفي وست في ما عداه.
قرأ اهل البصرة وحفص عن عاصم { والذين قتلوا } على ما لم يسم فاعله بضم القاف وكسر التاء. الباقون { قاتلوا } بألف من المفاعلة. وقرىء شاذاً { قتلوا } بفتح القاف وتشديد التاء. من قرأ بألف كان أعم فائدة، لأنه يدخل فيه من قتل. ومن قرأ بغير الف لم يدخل فى قراءته القاتل الذى لم يقتل وكلاهما لم يضل الله أعمالهم، فهو اكثر فائدة. ومن قرأ بغير الف خص هذه الآية بمن قتل. وقال: علم أن الله لم يضل اعمال من قاتل بدليل آخر ولأن من قاتل لم يضل عمله بشرط ألا يحبط عند من قال بالاحباط، وليس من قتل كذلك، لانه لا يضل الله أعمالهم على وجه بلا شرط، ولأنه لا يقتل إلا وقد قاتل فصار معناهما واحد.
قال مجاهد عن ابن عباس إن قوله { الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله } نزلت فى أهله مكة. وقوله { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } فى الانصار.
يقول الله تعالى مخبراً بأن الذين جحدوا توحيد الله وعبدوا معه غيره وكذبوا محمداً نبيه صلى الله عليه وآله فى الذي جاء به وصدوا من أراد عبادة الله والاقرار بتوحيده وتصديق نبيه عن الدين، ومنعوه من الاسلام { أظل أعمالهم } ومعناه حكم الله على أعمالهم بالضلال عن الحق والعدول من الاستقامة وسماها بذلك لأنها عملت على غير هدى وغير رشاد. والصد عن سبيل الله هو الصرف عن سبيل الله بالنهي عنه والمنع منه. والترغيب في خلافه، وكل ذلك صد، فهؤلاء كفروا فى أنفسهم ودعوا غيرهم إلى مثل كفرهم، والضلال الاهلاك حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل، وليس في الآية ما يدل على القول بصحة الاحباط إذا حملناها على ما قلناه. ومن قال بالتحابط بين المستحقين لا بد ان يترك ظاهر الآية.
ثم قال { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني صدقوا بتوحيد الله والاقرار بنبوة نبيه واضافوا إلى ذلك الاعمال الصالحات { وآمنوا بما نزل على محمد } من القرآن والعبادات وغيرها { وهو الحق من ربهم } الذي لا مرية فيه { كفر الله عنهم سيئاتهم } وقوله { وهو الحق } يعني القرآن - على ما قاله قوم - وقال آخرون إيمانهم بالله وبالنبي صلى الله عليه وآله { هو الحق من ربهم } أي بلطفه لهم فيه وحثه عليه وأمره به. ومعنى تكفير السيئات هو الحكم باسقاط المستحق عليها من العقاب، فاخبر تعالى انه متى فعل المكلف الايمان بالله والتصديق لنبيه أسقط عقاب معاصيه حتى يصير بمنزلة ما لم يفعل. وقوله { وأصلح بالهم } قال قتادة: معناه وأصلح حالهم في معائشهم وأمر دنياهم. وقال مجاهد: واصلح شأنهم، والبال لا يجمع، لأنه ابهم أخواته من الحال والشأن.
ثم بين تعالى لم فعل ذلك ولم قسمهم هذين القسمين فقال { ذلك بأن الذين كفروا } فعلنا ذلك بهم وحكمنا بابطال أعمالهم جزاء على انهم { اتبعوا الباطل } والمعاصي، وفعلنا بالمؤمنين من تكفير سيئاتهم لانهم { اتبعوا الحق } الذي أمر الله باتباعه. وقيل الباطل هو الشيطان - هٰهنا - والحق هو القرآن، ويجوز ان يكون التقدير الامر ذلك، وحذف الابتداء.
ثم قال تعالى { كذلك يضرب الله للناس أمثالهم } أي هؤلاء الذين حكمنا بهلاكهم وضلالهم بمنزلة من دعاه الباطل فاتبعه، والمؤمن بمنزلة من دعاه الحق من الله فاتبعه ويكون التقدير يضرب الله للناس صفات أعمالهم بأن بينها وبين ما يستحق عليها من ثواب وعقاب.
ثم خاطب تعالى المؤمنين فقال { فإذا لقيتم } معاشر المؤمنين { الذين كفروا } بالله وجحدوا ربوبيته من أهل دار الحرب { فضرب الرقاب } ومعناه اضربوهم على الرقاب، وهي الاعناق { حتى إذا أثخنتموهم } أي اثقلتموهم بالجراح وظفرتم بهم { فشدوا الوثاق } ومعناه احكموا وثاقهم فى الأمر. ثم قال { فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها } ومعناه اثقالها.
وقوله { فإما مناً بعد } نصب على المصدر والتقدير إما أن تمنوا مناً وإما أن تفدوا فداء، وقال قتادة وابن جريج: الآية منسوخة بقوله
{ فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وقوله { { فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم } } وقال ابن عباس والضحاك: الفداء منسوخ. وقال ابن عمر والحسن وعطا وعمر ابن عبد العزيز: ليست منسوخة. وقال الحسن يكره أن يفادى بالمال، ويقال يفادي الرجل بالرجل، وقال قوم: ليست منسوخة، والامام مخير بين الفداء والمن والقتل بدلالة الآيات الاخر { حتى تضع الحرب أوزارها } أي اثقالها، وقال قتادة: حتى لا يكون مشرك. وقال الحسن: إن شاء الامام أن يستفد الاسير من المشركين، فله ذلك بالسنة، والذي رواه اصحابنا ان الاسير إن اخذ قبل انقضاء الحرب والقتال بأن تكون الحرب قائمة والقتال باق، فالامام مخير بين أن يقتلهم أو يقطع ايديهم وأرجلهم من خلاف ويتركهم حتى ينزفوا، وليس له المن ولا الفداء. وإن كان أخذ بعد وضع الحرب أوزارها وانقضاء الحرب والقتال كان مخيراً بين المن والمفادات. إما بالمال او النفس، وبين الاسترقاق، وضرب الرقاب، فان أسلموا فى الحالين سقط جميع ذلك وصار حكمه حكم المسلم.
وقوله { ذلك } أي الذي حكمنا به هو الحق الذي يجب عليكم إتباعه { ولو يشاء الله لانتصر منهم } وأهلكهم بانزال العذاب عليهم { ولكن ليبلوا بعضكم ببعض } ويختبرهم ويتعبدهم بقتالهم إن لم يؤمنوا.
ثم اخبر تعالى أن { الذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم } قال قتادة هم الذين قتلوا يوم احد. ومن قرأ { قاتلوا } أراد قاتلوا سواء قتلوا او لم يقتلوا لن يهلك الله أعمالهم ولا يحكم بضلالهم وعدولهم عن الحق. ثم قال { سيهديهم } يعني إلى طريق الجنة { ويصلح بالهم } أي شأنهم او حالهم، وليس فى ذلك تكرار البال، لان المعنى يختلف، لان المراد بالاول انه يصلح حالهم فى الدين والدنيا وبالثاني يصلح حالهم فى النعيم، فالاول سبب النعيم، والثاني نفس النعيم.