التفاسير

< >
عرض

وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ
١٦
وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ
١٧
فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ
١٨
فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
١٩
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ
٢٠
-محمد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير فى احدى الروايتين { آنفاً } على وزن (فعل) الباقون { آنفاً } بالمد على وزن (فاعل) قال ابو علي الفارسي: جعل ابن كثير ذلك مثل (حاذر، وحذر. وفاكه، وفكه) والوجه الرواية الأخرى.
حكى الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله أن من الكفار من إذا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله واستمع لقراءة القرآن منه وسمع ما يؤديه إلى الحق من الوحي وما يدعوه اليه، فلا يصغي اليه ولا ينتفع به حتى إذا خرج من عنده لم يدر ما سمعه ولا فهمه، ويسألون أهل العلم الذين آتاهم الله العلم والفهم من المؤمنين { ماذا قال آنفاً } اي أي شيء قال الساعة؟ وقيل: معناه قريباً مبتدياً. وقيل: إنهم كانوا يتسمعون للخطبة يوم الجمعة وهم المنافقون، والآنف الجائي باول المعنى ومنه الاستئناف، وهو استقبال الأمر بأول المعنى، ومنه الانف لأنه اول ما يبدو من صاحبه، ومنه الأنفة رفع النفس عن أول الدخول فى الرتبة. وإنما قال { ومنهم من يستمع إليك } فرده إلى لفظة (من) وهي موحدة. ثم قال { حتى إذا خرجوا } بلفظ الجمع برده إلى المعنى، لان (من) يقع على الواحد والجماعة.
ثم قال تعالى { أولئك الذين طبع الله على قلوبهم } أي وسم قلوبهم وجعل عليها علامة تدل على انهم كفار لا يؤمنون، وهو كالختم وإن صاحبه لا يؤمن فطبع الله على قلوب هؤلاء الكفار ذماً لهم على كفرهم أي لكونهم عادلين عن الحق واخبر أنهم { اتبعوا } فى ذلك { أهواءهم } وهو شهوة نفوسهم وما مال اليه طبعهم دون ما قامت عليه الحجة يقال: هوى يهوي هوى فهو هاو، واستهواه هذا الأمر أي دعاه إلى الهوى.
ثم وصف تعالى المؤمنين فقال { والذين اهتدوا } إلى الحق، ووصلوا إلى الهدى والايمان { زادهم هدى } فالضمير فى زادهم يحتمل ثلاثة اوجه:
احدها - زادهم الله هدى بما ينزل عليهم من الآيات والاحكام، فاذا اقروا بها وعرفوها زادت معارفهم.
الثاني - زادهم ما قال النبي صلى الله عليه وآله هدى.
الثالث - زادهم استهزاء المنافقين إيماناً.
والوجه فى إضافة الزيادة فى الهدى إلى الله هو ما يفعله تعالى بهم من الألطاف التي تقوي دواعيهم إلى التمسك بما عرفوه من الحق وتصرفهم عن العدول إلى خلافه. ويكون ذلك تأكيداً لما عملوه من الحق وصارفاً لهم عن تقليد الرؤساء من غير حجة ولا دلالة. ثم قال { وآتاهم } على زيادة الهدى { تقواهم } أي خوفاً من الله من معاصيه ومن ترك مفترضاته بما فعل بهم من الالطاف فى ذلك. وقيل معناه { آتاهم } ثواب { تقواهم } ولا يجوز ان يكون المراد خلق لهم تقواهم لانه يبطل أن يكون فعلهم.
ثم قال { فهل ينظرون إلا الساعة } أي ليس ينتظرون إلا القيامة { أن تأتيهم بغتة } أي فجأة، فقوله { أن تأتيهم } بدل من الساعة، وتقديره إلا الساعة إتيانها بغتة، فان حذف الساعة كان التقدير هل ينظرون إلا إتيانهم الساعة بغتة. ثم قال تعالى { فقد جاء أشراطها } أي علاماتها. وقيل: منها إنشقاق القمر فى وقت النبي صلى الله عليه وآله ومنها مجيء محمد صلى الله عليه وآله بالآيات لأنه آخر الأنبياء، فالاشراط العلامات واحدها شرط قال جرير:

ترى شرط المعزى مهور نسائهم وفي شرط المعزى لهن مهور

وأشرط فلان لنفسه إذا علمها بعلامة، وقال أوس بن حجر:

فاشرط فيها نفسه وهو مقصم والقى باسباب له وتوكلا

والفاء في قوله { فقد جاء أشراطها } عطف جملة على جملة فيها معنى الجزاء، والتقدير إن تأتهم بغتة، فقد جاء اشراطها. وقد قريء شاذاً عن أبي عمرو { إلا إن } والقراءة بفتح (أن) وقال المبرد: هذا لا يجوز لانه تعالى أخبر انه لا تأتي الساعة إلا بغتة، فكيف تعلق بشرط. وقال تعالى { فأنى لهم } أي من اين لهم { إذا جاءتهم } يعني الساعة { ذكراهم } أي ما يذكرهم أعمالهم من خير او شر، فانه لا ينفعهم فى ذلك الوقت الايمان والطاعات لزوال التكليف عنهم.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين { فاعلم } يا محمد { أنه لا إله إلا الله } أي لا معبود يحق له العبادة إلا الله. وفي ذلك دلالة على ان المعرفة بالله اكتساب، لأنها لو كانت ضرورية، لما أمر بها { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } فالخطاب له والمراد به الأمة لأنه صلى الله عليه وآله لا ذنب له يستغفر منه، ويجوز ان يكون ذلك على وجه الانقطاع اليه تعالى.
ثم قال { والله يعلم متقلبكم ومثواكم } أي الموضع الذي تتقلبون فيه وكيف تتقلبون وموضع استقراركم، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم طاعة كانت او معصية. وقيل: يعلم متقلبكم فى أسفاركم ومثواكم فى اوطانكم، وقيل: متقلبكم فى أعمالكم ومثواكم فى نومكم.
ثم قال تعالى حكاية عن المؤمنين أنهم كانوا يقولون { لولا نزلت سورة } أي هلا نزلت سورة لانهم كانوا يأنسون بنزول الوحي ويستوحشون من ابطائه فقال الله تعالى حاكياً عن حالهم عند نزول السورة فقال { وإذا أنزلت سورة محكمة } أي ليس فيها متشابه ولا تأويل { وذكر فيها القتال } أي أوجب عليهم القتال { رأيت الذين في قلوبهم مرض } أي نفاق وشك { ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت } لثقل ذلك عليهم وعظمه فى نفوسهم { فأولى لهم } قال قتادة: هو وعيد، وكأنه قال العقاب اولى بهم، وهو ما يقتضيه قبح أحوالهم. وروي عن ابن عباس، انه قال: قال الله تعالى { فأولى } ثم استأنف فقال { لهم طاعة وقول معروف } يعني للمؤمنين فصارت أولى للذين فى قلوبهم مرض. وقيل: المعنى { أولى لهم طاعة وقول معروف } من أن يجزعوا عن فرض الجهاد عليهم. وقال الجبائي: معنى الكلام ينظرون اليك نظر المغشى عليه من الموت فأولى لهم أن يعاقبوا { فلو صدقوا الله } فى ما أمرهم به { لكان خيراً لهم } ودخل بين الكلامين { طاعة وقول معروف } وليس من قصته وإنما هي من صفة المؤمن يأمره الله أن يطيعه، ويقول له قولا معروفاً. وقرأ ابن مسعود "سورة محدثة" وهو شاذ.