التفاسير

< >
عرض

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ
٣١
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ
٣٢
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ
٣٣
إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ
٣٤
فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ
٣٥
-محمد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو بكر عن عاصم { وليبلونكم حتى يعلم... ويبلو أخباركم } بالياء فيهن رداً على اسم الله في قوله { والله يعلم أعمالكم } الباقون بالنون على وجه الاخبار من الله عن نفسه. وقرأ حمزة وابو بكر عن عاصم { إلى السلم } بكسر السين. الباقون بفتحها، وهما لغتان على ما بيناه في ما تقدم في الاسلام والمصالحة
يقول الله تعالى مقسماً إنا نبلو هؤلاء الكفار، ومعناه نختبرهم بما نكلفهم من الامور الشاقة، فالابتلا والاختبار واحد. وقوله { حتى نعلم المجاهدين منكم } قيل في معناه قولان:
احدهما - حتى نعلم جهادكم موجوداً لأن الغرض ان تفعلوا الجهاد فيثيبكم على ذلك، لانكم لا تستحقون الثواب على ما يعلم الله انه يكون.
الثاني - حتى نعاملكم معاملة من كأنه يطلب ان يعلم.
وقيل: معناه حتى يعلم أوليائي المجاهدين منكم، وأضافه إلى نفسه تعظيماً لهم وتشريفاً، كما قال
{ { إن الذين يؤذون الله ورسوله } يعني يؤذن أولياء الله. وقيل: معناه حتى يتميز المعلوم في نفسه، لأنهم إنما يتميزون بفعل الايمان. وقيل: المعنى حتى تعلموا أنتم، واضافه إلى نفسه تحسناً كما أن الانسان العالم إذا خولف فى ان النار تحرق الحطب يحسن ان يقول: نجمع بين النار والحطب لنعلم هل تحرق ام لا، ولا يجوز ان يكون المراد حتى نعلم بعد ان لم نكن عالمين، لانه تعالى عالم في ما لم يزل بالأشياء كلها، ولو تجدد كونه عالماً لاحتاج إلى علم محدث كالواحد منا وذلك لا يجوز أن يكون غرضاً بالتكليف، لكن يجوز ان يكون الغرض ظهور حق الذم على الاساءة، وإنما جاز في وصف الله الابتلاء، لأن المعنى انه يعامل معاملة المبتلي المختبر مظاهرة في العدل بالجزاء لها. والجهاد احتمال المشقة في قتال المشركين واعداء دين الله. وافضل الأعمال علم الدين، والجهاد في سبيل الله، لأن علم الدين به يصح العمل بالحق والدعاء اليه. والجهاد داع إلى الحق مع المشقة فيه. والصابر هو الحابس نفسه عما لا يحل له. وهي صفة مدح. ومع ذلك ففيها دليل على حاجة الموصوف بها، لأنه إنما يحبس نفسه ويمنعها مما تشتهيه او تنازع اليه من القبيح { ونبلوا أخباركم } أي نختبر اخباركم ونعلم المطيع من العاصي.
ثم اخبر تعالى { إن الذين كفروا } بوحدانيته وجحدوا نبوة نبيه { وصدوا } أي منعوا غيرهم { عن } إتباع { سبيل الله } بالقهر تارة وبالاغراء أخرى { وشاقوا الرسول } أي عاندوه وباعدوه بمعاداته { من بعد ما تبين لهم الهدى } ووضح لهم سبيله { لن يضروا الله } بذلك { شيئاً } وإنما ضروا نفوسهم { وسيحبط أعمالهم } ويستحقون عليها العقاب. والهدى الدلالة المؤدية إلى الحق. والهادي الدال على الحق
وفي الآية دلالة على أن هؤلاء الكفار كان قد تبين لهم الهدى فارتدوا عنه او يكون ظهر لهم أمر النبي، فلم يقبلوه. وقيل: تبين لهم الهدى، لأنهم كانوا قد عرفوا الايمان ورجعوا عنه.
ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا } بالله وصدقوا رسوله { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } أي افعلوا الطاعات التي أمركم الله بها وامركم بها رسوله { ولا تبطلوا أعمالكم } بأن توقعوها على خلاف الوجه المأمور به فيبطل ثوابكم عليها وتستحقون العقاب.
ثم اخبر تعالى فقال { إن الذين كفروا } أي جحدوا وحدانية الله وكذبوا رسوله { وصدوا عن سبيل الله } بالمنع والاغراء والدعاء إلى غيره { ثم ماتوا وهم كفار } أي فى حال كفرهم { فلن يغفر الله لهم } معاصيهم بل يعاقبهم عليها. ثم قال { فلا تهنوا } أي لا تتوانوا. وقال مجاهد وابن زيد: لا تضعفوا { وتدعوا إلى السلم } يعني المصالحة { وأنتم الأعلون } أي وانتم القاهرون الغالبون - فى قول مجاهد - { والله معكم } اي ناصركم والدافع عنكم فلا تميلوا مع ذلك إلى الصلح والمسالمة بل جاهدوا واصبروا عليه. وقوله { ولن يتركم أعمالكم } أي لن ينقصكم اجور اعمالكم يقال: وتره يتره وتراً إذا أنقصه. وهو قول مجاهد. وقال ابن عباس وقتادة وابن زيد والضحاك: لن يظلمكم واصله القطع، فمنه البتر القطع بالقتل. ومنه الوتر المنقطع بانفراده عن غيره. وقوله { وتدعوا } يجوز ان يكون جراً عطفاً على { تهنوا } أي لا تهنوا ولا تدعوا إلى السلم، ويجوز ان يكون فى موضع نصب على الظرف