التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١٦
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ
١٧
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
١٨
-الحجرات

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وحده { بما يعملون } بالياء على الغيبة. الباقون بالتاء على الخطاب.
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { قل } لهؤلاء الكفار { أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم } فالتعليم تعريض من لا يعلم حتى يعلم بافهام المعنى او خلق العلم له في قلبه، فعلى هذا لا يجوز ان يعلم العالم لنفسه الذي يعلم المعلومات كلها بنفسه، ولا يحتاج إلى من يعلمه ولا إلى علم يعلم به، كما انه من يكون قديماً بنفسه استغنى عن موجد يوجده، وإنما يحتاج إلى التعليم من يجوز أن يعلم وألا يعلم، ومن يخفى عليه شيء دون شيء، ففي الآية دلالة على ان العالم بكل وجه لا يجوز ان يعلم. والمعني بالآية هم الذين ذكرهم في الآية الأولى وبين أنهم منافقون لقول الله لهم { أتعلمون الله بدينكم } إنا آمنا بالله وبرسوله، وهو تعالى يعلم منكم خلاف ذلك من الكفر والنفاق، فلفظه لفظ الاستفهام والمراد به الانكار.
ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال { يمنون عليك أن أسلموا } فالمن القطع بايصال النفع الموجب للحق، ومنه قوله
{ فلهم أجر غير ممنون } أي غير مقطوع، ومنه قولهم: المنة تكدر الصنيعة وقيل: إذا كفرت النعمة حسنت المنة. ومن لا أحد إلا وهو محتاج اليه، فليس في منه تكدير النعمة، لان الحاجة لازمة لامتناع أن يستغنى عنه بغيره. واكثر المفسرين على ان الآية نزلت في المنافقين. وقال الحسن: نزلت في قوم من المسلمين قالوا: أسلمنا يا رسول الله قبل ان يسلم بنو فلان، وقاتلنا معك بني فلان. وقال الفراء: نزلت في اعراب من بني أسد قدموا على النبي صلى الله عليه وآله بعيالاتهم طمعاً في الصدقة، وكانوا يقولون أعطنا، فانا أتيناك بالعيال والاثقال وجاءتك العرب على ظهور رواحلها، فأنزل الله فيهم الآية. ثم قال { بل الله يمن عليكم } بانواع نعمه و { أن هداكم للإيمان } وارشدكم اليه بما نصب لكم من الأدلة عليه ورغبكم فيه { إن كنتم صادقين } في إيمانكم الذي تدعونه. ومتى كنتم صادقين يجب أن تعلموا ان المنة لله عليكم في إيمانكم، لا لكم على الله ورسوله.
وموضع { أن أسلموا } نصب بـ { يمنوا } وهو مفعول به. وقيل: موضعه الجر، لأن تقديره بأن اسلموا. ثم قال إن الله يعلم غيب السموات والارض والله بصير بما يعملون من طاعة ومعصية وإيمان وكفر في باطن او ظاهر لا يخفى عليه شيء من ذلك.