التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
١٢
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الميثاق: اليمين المؤكدة، لانه يستوثق بها من الأمر، فاخذ الله ميثاقهم باخلاص العبادة له، والايمان برسله. وما يأتون به من شرايع دينه.
وقوله: { بعثنا منهم اثني عشر نقيباً } فالنقيب فيه أربعة أقوال:
قال الحسن: هو الضمين وقال الربيع: هو الامين.
وقال قتادة: هو الشهيد على قومه. وقال قوم: هو الرئيس من العرفاء.
[اللغة]:
واصل النقيب في اللغة النقب وهو الثقب الواسع. وقال ابو مسلم: هو فعيل بمعنى مفعول كانه اختير ونقر عليه، فقيل نقيب، لانه ينقب عن احوال القوم، كما ينقب عن الاسرار. ومنه نقاب المرأة. ومنه المناقب وهي الفضائل. والنقب: الطريق في الجبل. ويقال نقب الرجل على القوم ينقب نقبا: إذا صار نقيباً. ونكب عليهم ينكب نكابة: إذا صار منكباً. وهو عون العريف. وقد نقب نقابة. والنقبة سراويل بغير رجلين لاتساع نقبه تلبسة المرأة. وأول الجرب النقبة وجمعها النقب. والنقب قال الشاعر:

متبذلا تبدو محاسنه يضع الهاء مواضع النقب

ويقال: كلب نقيب إذا نقب حنجرته، لئلا يرتفع صوته في نباحه يفعل ذلك البخلاء، لئلا يطرقهم ضيف بسماع نباح الكلاب. ومنه نقبت الحائط: إذا بلغت في النقب آخره.
وفي معنى قوله: { اثني عشر نقيباً } قولان:
احدهما - قال الحسن والجبائي: أنه اخذ من كل سبط منهم ضميناً بما عقد عليهم بالميثاق من امر دينهم.
الثاني قال مجاهد والسدي: إنهم بعثوا إلى الجبارين، ليقفوا على آثارهم ويرجعوا بذلك إلى موسى، فرجعوا ينهون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم، وعظم خلقهم إلى اثنين منهم.
وقال البلخي: يجوز أن يكون النقباء رسلا ويجوز ان يكونوا قادة. وقوله: { بعثنا } لا يدل على أنهم رسل، كما اذا قال القائل: الخليفة بعث الامير أو القضاة لا يفيد أنهم رسل، بل يفيد أنه ولاهم وقلدهم. والغرض بذلك إعلام النبي (صلى الله عليه وسلم) أن هؤلاء الذين هموا بقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) صفاتهم وأخلاقهم أخلاق أسلافهم الغدر، ونقض العهد.
وقوله: { وقال الله إني معكم } معناه ناصركم على عدوكم وعدوي الذي أمرتكم بقتالهم إن قاتلتموهم، ووفيتم بعهدي وميثاقي الذي أخذته عليكم. وفي الكلام حذف، وتقديره وقال الله: إني معكم. وإنما حذف استغناء بقوله: { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل } ثم ابتدأ تعالى قسما، لئن أقمتم الصلاة معشر بني إسرائيل { وآتيتم الزكاة } أي اعطيتموها { وآمنتم برسلي } معناه وصدقتم بما اتاكم به رسلي من شرائع ديني وقال الربيع بن أنس: هذا الخطاب من الله للنقباء وقال غيره: هو خطاب لنبي اسرائيل. والتقديران موسى (ع) قال لهم عن الله تعالى: إن الله ناصركم على عدوكم ما اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي { وعززتموهم } قيل معناه قولان:
احدهما - قال مجاهد والسدي: معناه نصرتموهم وهو اختيار الزجاج.
الثاني - قال عبد الرحمن بن زيد: معناه ونصرتموهم وأطعتموهم. وبه قال أبو عبيدة. والعزز - في اللغة -: الرد والمنع في قول الفراء تقول: عزرت فلاناً: إذا أدبته، وفعلت به ما يردعه عن القبيح. وقال تعالى: { وتعزروه وتوقروه } ومعناه تنصروه. وإلا كان تكراراً. وهو اختيار الطبري وأنشد أبو عبيدة في التعزير بمعنى التوقير قول الشاعر:

وكم من ما جد لهم كريم ومن ليث يعزر في الندي

أي يعظم. وهو قول أبي علي.
وقوله: { وأقرضتم الله قرضاً حسناً } معناه وانفقتم في سبيل الله، وجهاد عدوه وعدوكم قرضاً حسناً. وقيل: معناه بطيبة نفس. وقيل معناه الا يتبعه من ولا اذى. وقيل من الحلال دون الحرام. وانما قال: قرضاً، ولم يقل إقراضاً، لانه رده إلي قرض قرضاً، كما قال:
{ { أنبتكم من الأرض نباتاً } ولم يقل إنباتاً ويقال: اعطيته عطاء. وقال امرؤ القيس:

ورضت فذلت صعبة اي إذلال

لان فيه معنى اذللت.
وقوله: { لأكفرن عنكم سيئاتكم } اللام جواب القسم. وهو قوله: { لئن أقمتم الصلاة } فالأولى لام القسم والثانية جوابه، وقال قوم: كل واحد منهما قسم. وصحيح الأول، لان الكلام لم يتم في قوله: { لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكوة } ومعنى { لأكفرن } لاعطين بعفوي وصفحي عن عقوبتكم على ما مضى اجرامكم، ولادخلنكم مع ذلك جنات تجري من تحتها الانهار والجنات البساتين والكفر معناه الجحود، والتغطية والستر. قال لبيد:

في ليلة كفر النجوم غمامها

وقوله تجري من تحتها يعني من تحت اشجار هذه الجنات الانهار.
وقوله: فمن كفر بعد ذلك منكم يعني من جحد منكم يا معشر بني اسرائيل ما أمرته به، فتركه أو ركب ما نهيته عنه بعد اخذي الميثاق عليه، فقد ضل يعني أخطأ قصد الطريق الواضح، وزال عن منهاج السبيل القاصد. والضلال هو الركوب على غير هدى. وسواء السبيل يعني وسطه.