التفاسير

< >
عرض

فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٣٠
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قيل في معنى { طوَّعت له نفسه } ثلاثة أقوال:
احدها - شجعته نفسه على قتل أخيه في قول مجاهد. وقال قتادة زيَّنت له نفسه قتل أخيه. وقال قوم: معناه ساعدته نفسه على قتل اخيه، فلما حذف حرف الجر نصب قوله { قتل أخيه }.
ومن قال معناه زيَّنت نصبه كأنه مفعول به. يقال طاع لهذه الظبية اصول الشجرة، وطاع لفلان كذا أي أتاه طوعاً، ويقال أيضاً انطاع. ولا يقال اطاعته نفسه، لأن (أطاع) يدل على قصد لموافقة معنى الأمر، وليس كذلك طوَّع، لأنه بمنزلة انطاع له اصول الشجرة. وفي الفعل ما يتعدى الى نفس الفاعل نحو حرك نفسه، وقتل نفسه. وفيه ما لا يتعدى نحو أمرَ ونهى، لأن الأمر والنهي لا يكون إِلا ممن هو أعلى لمن هو دونه.
وقال ابن عباس وابن مسعود وأبو مالك وأبو جعفر (عليه السلام): إِنه قتله بصخرة شدخ رأسه بها، وقال مجاهد: لم يدر كيف يقتله حتى ظهر له ابليس فعلمه ذلك، ظهر في صورة طير، فأخذ طيراً آخر وترك رأسه بين حجرين فشدخه، وقابيل ينظر اليه ففعل مثله. وقيل هو أول قتل كان في الناس. وقوله: { فأصبح من الخاسرين } لا يدل على أنه قتله ليلاً، لأن معناه صار من الخاسرين بقتله ليلاً أو نهاراً، لأنه يحسن في هذا أن يقال: أصبح، لأنه بمنزلة الأمر الذي بيّت ليلاً، فكانت ثمرته الوبال والخسران، والمعنى - ها هنا - ذهاب رأس المال بهلاك نفسه. وذلك أعظم الخسران كما قال تعالى { خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة } فمعنى الآية أصبح من الذين باعوا الآخرة بالدنيا، فخسروا في ذلك وخابت صفقتهم.