التفاسير

< >
عرض

مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٧٥
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه ليس المسيح بن مريم إِلا رسول أرسله الله { قد خلت من قبله الرسل } أي انه رسول ليس بإِله كما ان الأنبياء قبله رسل ليسوا بآلهة. وانه أتى بالمعجزات من قبل الله كما أتوا بها من قبل ربهم، فمن ادعى له الآلهية فهو كمن ادعى الالهية لجميعهم لتساويهم في المنزلة ومعنى "خلت" مضت. { وأمه صديقة } قيل في معناه قولان:
أحدهما - أنها كانت تصدق بآيات ربها ومنزلة ولدها، وتصدقه فيما أخبرها به بدلالة قوله
{ وصدقت بكلمات ربها } ذكر ذلك الحسن، والجبائي.
الثاني - لكثرة صدقها وعظم منزلتها فيما تصدق به من أمرها أو سميت صديقة على وجه المبالغة، كما قيل: رجل سكيت. أي مبالغ في السكوت.
وقوله { كانا يأكلان الطعام } فيه احتجاج على النصارى، لأن من ولدته النساء، وكان يأكل الطعام لا يكون إِلها للعباد لأن سبيله سبيلهم في الحاجة الى الصانع المدبر، لأن من فيه علامة الحدث، لا يكون قديماً. ومن يحتاج الى غيره لا يكون قادراً لا يعجزه شئ وقيل إِن ذلك كناية عن قضاء الحاجة لأن من أكل الطعام لا بد أن يحدث حدثاً مخصوصاً على مجرى العادة.
وقوله { انظر كيف نبين لهم الآيات } أمر للنبي وامته بأن يفكروا فيما بين الله من الآيات والدلالات لهم على بطلان ما اعتقدوه من ربوبية المسيح، وبنوته ثم أمره بأن ينظر ثانياً { أنى يؤفكون } أي كيف يؤفكون. وقيل من أين يؤفكون ومعنى { يؤفكون } يصرفون. وقيل يقلبون. والمعنى متقارب، لأن المعنى انظر كيف يصرفون عن الآيات التي بيناها لهم ويقال: لكل مصروف عن شئ مأفوك عنه، وقد افكت فلاناً عن كذا أي صرفته عنه صرفاً. فأنا آفكه إفكاً فهو مأفوك وقد أفكت الأرض إِذا صرف عنها المطر، والافك الكذب، لأنه صرف الخبر عن وجهه. والمؤتفكات المنقلبات من الرياح، وغيرها، لأنها صرفت بقلبها عن وجهها.