التفاسير

< >
عرض

قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ
٧٧
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يخاطب أهل الكتاب، وهم النصارى ها هنا. وقال قوم: المراد به اليهود والنصارى، لأن اليهود أيضاً غلوا في تكذيب عيسى، ومحمد (صلى الله عليه وسلم) ويقول لهم { لا تغلو في دينكم } ومعناه لا تتجاوزوا الحد الذي حده الله لكم الى الازدياد. وضده التقصير وهو الخروج عن الحد الى النقصان. والزيادة في الحد والنقصان معاً فساد أي ودين الله الذي أمر به هو بين الغلو، والتقصير، وهو الاقتصاد.
وقوله { ولا تتبعوا أهواء قوم } وقل لهم: لا تسلكوا سبيل الأوائل، لأن الاتباع هو سلوك الثاني طريقة الأول على وجه الاقتداء به وقد يتبع الثاني الأول في الحق وقد يتبعه في الباطل. وإِنما يعلم أحدهما بدليل. والمراد ها هنا النهي عن اتباع سبيلهم الباطل. و { الأهواء } ها هنا المذاهب التي تدعو اليها الشهوة دون الحجة، لأن قد يستثقل النظر لما فيه من المشقة، ويميل طبعه الى بعض المذاهب فيعتقده، وهو ضلال فيهلك به. وقوله: { قد ضلوا من قبل } فيه قولان:
قال الحسن، ومجاهد: هم اليهود.
وقال أبو علي هم أسلافهم الذين هم رؤساء ضلالتهم الذين سنوا لهم هذا الكفر من الفريقين اليهود والنصارى { وأضلوا كثيراً } يعني هؤلاء الذين ضلوا من قبل وأضلوا أيضاً كثيراً من الخلق. ونسب الاضلال اليهم، من حيث كان بدعائهم وإغوائهم.
وقوله { وضلوا عن سواء السبيل } قيل في معناه قولان:
أحدهما - ضلوا باضلالهم غيرهم في قول الزجاج.
الثاني - وضلوا من قبل، وضلوا من بعد، فلذلك كرر. وقيل { وضلوا من قبل } عن الهدى في الدنيا { وأضلوا كثيراً } عن طريق الجنة. و { سواء السبيل } معناه مستقيم الطريق. والمعنى فيه الحق من الدين، لأنه يستقيم بصاحبه الى الجنة، والخلود في النعيم. وقيل له: سواء لاستمراره على استواء.