التفاسير

< >
عرض

يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٩٠
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا خطاب للمؤمنين أخبرهم الله تعالى أن الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس، فالخمر عصير العنب المشتد، وهو العصير الذي يسكر كثيره وقليله. والخمر حرام وتسمى خمراً لأنها بالسكر تغطي على العقل، والأصل في الباب التغطية من قول أهل اللغة خمرت الأناء اذا غطيته، ومنه دخل في خمار الناس اذا خفي فيما بينهم بسترهم له والخمير العجين الذي يغطى حتى يختمر، وخمار المرأة، لأنها تغطي رأسها به. وخامره الحزن اذا خالطه منتشراً في قلبه واستخمرت فلاناً أي استعبدته. والاصل فيه أمرته أن يتخذ الخمر، ثم كثر حتى جرى في كل شىء يأمر به. وعلى هذا الاشتقاق يجب أن يسمى النبيذ وكل مسكر على اختلاف أنواعه خمراً، لاشتراكها في المعنى وان يجري عليها أجمع جميع أحكام الخمر.
و { الميسر } القمار كله مأخوذ من تيسير أمر الجزور بالاجتماع على القمار فيه والذي يدخل فيه ييسر والذي لا يدخل فيه برم. قال أبو جعفر (ع) ويدخل فيه الشطرنج والنرد وغير ذلك حتى اللعب بالجوز. والأصل فيه اليسر خلاف العسر وسميت اليد اليسرى تفاؤلاً بتيسير العمل بها. وقيل: بل لأنها تعين اليمنى فيكون العمل أيسر، وذهب يسرة خلاف يمنة.
{ والأنصاب } الاصنام واحدها نصب. وقيل لها أنصاب، لانها كانت تنصب للعبادة وأصله الانتصاب: القيام، نصب ينصب نصباً. ومنه النصب التعب عن العمل الذي ينتصب له، ونصاب السكين، لأنها تنصب فيه، ومناصبة العدو: الانتصاب لعداوته قال الاعشى:

وذا النصب المنصوب لا تنسكنه ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

و { الأزلام } القداح، وهي سهام كانوا يجيلونها ويجعلون عليها علامات (إِفعل، ولا تفعل) ونحو ذلك على ما يخرج من ذلك في سفر أو إِقامة أو غير ذلك من الامور المهمة، وكانوا يجيلونها للقمار، واحدها زلم، وزلم. وقال الاصمعي: كان الجزور يقسمونه على ثمانية وعشرين جزءاً. وقال أبو عمرو: كان عددها على عشرة. وقال أبو عبيدة: لا علم لي بمقدار عدتها، وقد ذكرت أسماؤها مفصلاً، وهي عشرة: ذوات الحظوظ منها سبعة وأسماؤها: الفذ، والتوءم، والرقيب، والحلس، والنافس، والمسبل، والمعلى. والاغفال التي لا حظوظ لها ثلاثة اسماؤها: السفيح، والمنيح، والوغد. ذكر القتيبي ذلك.
وقوله { رجس } أي نجس { والرجز } العذاب. ومنه قوله
{ لئن كشفت عنا الزجر } أي العذاب وقوله { والرجز فاهجر } يعني الاوثان. ومعناه الرجس فاهجر، وأصل الرجز تتابع الحركات يقال ناقة رجزاء اذا كانت ترتعد قوائمها في ناحية. وقال الزجاج: يقال: رجس يرجس اذا عمل عملا قبيحاً. والرجس بفتح الراء شدة الصوت، وسحاب الرجاس، ورعد رجاس اذاكان شديد الصوت قال الشاعر:

وكل رجاس يسوق الرجسا

وقوله { من عمل الشيطان } إِنما نسبها الى عمل الشيطان وهي أجسام لما يأمر به فيها من الفساد فيأمر بالسكر ليزيل العقل، ويأمر بالقمار لاستعمال الاخلاق الدنيئة ويأمر بعبادة الأوثان لما فيها من الكفر بالله العظيم، ويأمر بالأزلام لما فيها من ضعف الرأي والاتكال على الاتفاق. وقوله { فاجتنبوا } أمر بالاجتناب أي كونوا جانبا منه في ناحية { لعلكم تفلحون } ومعناه لكي تفوزوا بالثواب.
وفي الآية دلالة على تحريم الخمر، وهذه الأشياء الأربعة من أربعة أوجه:
أحدها - أنه وصفها بأنها رجس وهي النجس والنجس محرم بلا خلاف.
الثاني - نسبها الى عمل الشيطان وذلك لا يكون الا محرماً.
والثالث - أنه أمرنا باجتنابه. والامر يقتضي الايجاب.
الرابع - أنه جعل الفوز والفلاح باجتنابه.
والهاء في قوله { فاجتنبوه } راجعة الى عمل الشيطان، وتقديره اجتنبوا عمل الشيطان. قال ابن عباس: الرجس - ها هنا - معناه السخط. وقال ابن زيد: هو الشر.