التفاسير

< >
عرض

وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ
٢١
لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ
٢٢
وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ
٢٣
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ
٢٤
مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ
٢٥

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى إن يوم الوعيد الذي بينه تجيء كل نفس من المكلفين { معها سائق } يسوقها { وشهيد } يشهد عليها، وهما ملكان احدهما يسوقه ويحثه على السير، والآخر يشهد عليه بما يعلمه من حاله ويشاهده منه وكتبه عليه، فهو يشهد بذلك على ما بينه الله ودبره.
وقوله { لقد كنت في غفلة } أي يقال له { لقد كنت في غفلة } أي في سهو ونسيان { من هذا } اليوم، فالغفلة ذهاب المعنى عن النفس، وضده اليقظة. وقوله { فكشفنا عنك غطاءك } أي أزلنا الغطاء عنك حتى ظهر لك الأمر، وإنما تظهر الأمور فى الآخرة بما يخلق الله فيهم من العلوم الضرورية، فيصير بمنزلة كشف الغطاء عما يرى، والمراد به جميع المكلفين: برّهم وفاجرهم، لان معارب الجميع ضرورية، وقوله { فبصرك اليوم حديد } معناه إن عينك حادة النظر لا يدخل عليها شك ولا شبهة. وقيل: المعنى فعلمك بما كنت فيه من أحوال الدنيا نافذ ليس يراد به بصر العين، كما يقال: فلان بصير بالنحو أو بالفقه. وقال الرماني: حديد مشتق من الحد، ومعناه منيع من الادخال فى الشيء ما ليس منه والاخراج عنه ما هو منه، وذلك فى صفة رؤيته للاشياء فى الآخرة.
وقوله { وقال قرينه } قال الحسن وقتادة وابن زيد: يعني الملك الشهيد عليه. وقال بعضهم: قرينه من الشياطين. والأول الوجه { هذا ما لدي عتيد } أي معد محفوظ { ألقيا في جهنم كل كفار عنيد } إنما قيل: ألقيا، لأن المأمور به إلقاء كل كافر في النار إثنان من الملائكة. وقيل: يجوز ان يكون على لفظ الاثنين والمأمور واحد، لأنه بمنزلة إلقاء اثنين فى شدته، كما قال الشاعر:

فان تزجراني يا بن عفان انزجر وإن تدعاني احم عرضاً ممنعا

والأول اظهر، وحكى الزجاج عن بعض النحويين: ان العرب تأمر الواحد بلفظ الاثنين تقول: قوما، واقعدا، قال الحجاج: (يا حرسي إضربا عنقه) وإنما قالوا ذلك، لأن اكثر ما يتكلم به العرب فيمن تأمر به بلفظ الاثنين نحو

خليلي مرا بي على أم جندب

وقوله:

قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل

وقال المبرد هذا فعل مبني للتأكيد، كأنه قال: ألق ألق، والعنيد الذاهب عن الحق وسبيل الرشد { مناع للخير } الذي أمر الله به من بذل المال في وجوهه من الزكاة وغيرها، لأنه صفة ذم تعم منع الخير الذي يجب بذله. ويدخل فيه الأول على وجهه التبع { معتد } أي متجاوز للحق فى قوله وفعله { مريب } أي آت من المنكر بما يشكك فى أمره.