التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ
٢٦
قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
٢٧
قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ
٢٨
مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ
٢٩
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ
٣٠

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ نافع وابو بكر عن عاصم { يوم يقول } بالياء بمعنى يقول الله تعالى { لجهنم } الباقون بالنون على وجه الاخبار من الله عن نفسه و { يوم } متعلق بقوله { ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد } وقيل: إنه متعلق بمحذوف بتقدير (إذكر) يا محمد يوم، وقوله { الذي جعل } موضعه الجر، لأنه من صفة { كفار عنيد مناع للخير معتد مريب.. الذى جعل مع الله إلها آخر } أى اتخذ مع الله معبوداً آخر من الاصنام والاوثان، ووجه قرباته اليه. والجعل تكوين الشيء على غير ما كان بقادر عليه فمن جعل مع الله إله آخر فقد صير ذلك الشيء على غير ما كان عليه باعتقاده انه إله آخر مع الله وذلك جعل منه عظيم وذهاب عن الصواب بعيد، فيقول الله للملكين الموكلين به يوم القيامة { ألقياه } أى اطرحاه { في العذاب الشديد } والالقاء الرمي بالشيء إلى جهة السفل، وقولهم: ألقى عليه مسألة بمعنى طرحها عليه مشبه بذلك. واصل إللقاء المماسة، والالتقاء من هذا ففي الالقاء طلب مماسة الشيء الارض بالرمي { قال قرينه ربنا ما اطغيته } قال ابن عباس: قرينه - هٰهنا - شيطانه. وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك. وسمي قرينه لأنه يقرن به في العذاب، وهو غير قرينه الذى معه يشهد عليه، والقرين نظير الشيء من جهة مصيره بازائه.
حكى الله عن شيطانه الذي أغواه انه يقول { ما أطغيته } فالاطغاء الاخراج إلى الطغيان، وهو تجاوز الحد فى الفساد أطغاء وطغى يطغى طغياناً، فهو طاغ. والاول مطغى. وقال الحسن: ما اطغيته باستكراه، وهو من دعاه إلى الطغيان. والمعنى لم أجعله طاغياً { ولكن كان } هو بسوء اختياره { في ضلال } عن الايمان { بعيد } عن إتباعه. ومثله قوله { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي } فيقول الله تعالى لهم { لا تختصموا لدي } أي لا يخاصم بعضكم بعضاً عندي { وقد قدمت إليكم بالوعيد } فى دار التكليف، فلم تنزجروا وخالفتم امري { ما يبدل القول لدي } معناه إن الذي قدمته اليكم فى الدنيا من أني أعاقب من جحدني وكذب برسلي وخالفني فى أمري لا يبدل بغيره، ولا يكون خلافه { وما أنا بظلام للعبيد } أي لست بظالم لاحد فى عقابي لمن استحقه بل هو الظلام لنفسه بارتكاب المعاصي التي استحق بها ذلك. وإنما قال: بظلام للعبيد على وجه المبالغة رداً لقول من أضاف جميع الظلم اليه - تعالى الله عن ذلك -.
وقوله { يوم نقول لجهنم } من قرأ بالنون فعلى وجه الاخبار من الله عن نفسه. ومن قرأ - بالياء - وهو نافع وابو بكر، فعلى تقدير يقول الله لجهنم { هل امتلأت } من كثرة من ألقي فيك من العصاة { فتقول } جهنم { هل من مزيد } أي ما من مزيد؟ أي ليس يسعني اكثر من ذلك. وقال قوم: هذا خطاب من الله لخزنة جهنم على وجه التقريع والتقرير لهم هل امتلأت جهنم، فتقول الخزنة هل من مزيد؟ وقال قوم: وهو الأظهر إن الكلام خرج مخرج المثل أي ان جهنم من سعتها وعظمها في ما يظهر من حالها بمنزلة الناطقة التي إذا قيل لها هل امتلأت فتقول هل من مزيد أي لم امتلىء اي فى سعه كثرة، ومثله قول الشاعر:

امتلأ الحوض وقال قطني مهلا رويداً قد ملأت بطني

والحوض لم يقل شيئاً، وإنما أخبر عن امتلائها وانها لو كانت ممن تنطق لقالت قطني مهلا رويداً قد ملأت بطني. وكذلك القول فى الآية. وقال الحسن وعمرو بن عبيد وواصل بن عطاء: معنى هل من مزيد ما من مزيد، وانه بمعنى لا مزيد وانكروا أن يكون طلباً للزيادة، لقوله { { لأملان جهنم من الجنة والناس أجمعين } وقال بعضهم: هذا ليس بمنكر من وجهين:
احدهما - أن يكون ذلك حكاية عن الحال التي قبل دخول جميع اهل النار فيها ولم تمتلأ بعد وان امتلأت في ما بعد.
والآخر - ان يكون طلب الزيادة بشرط ان يزاد فى سعتها. وقال قوم: هل من مزيد بمنزلة قول النبي صلى الله عليه وآله يوم فتح مكة وقد قيل له ألا تنزل دارك، فقال
"وهل ترك لنا عقيل من ربع" لأنه كل قد باع دور بني هاشم لما خرجوا إلى المدينة، وإنما أراد ان يقول: لم يترك لنا داراً. وقال انس بن مالك: هل من مزيد طلباً للزيادة. وقال مجاهد: هو بمعنى الكفاية.