التفاسير

< >
عرض

وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ
٣١
هَـٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ
٣٢
مَّنْ خَشِيَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ
٣٣
ٱدْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلُخُلُودِ
٣٤
لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
٣٥

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما حكى الله تعالى ما أعده للكافرين والعصاة من جهنم وعظم موضعها وسعتها أخبر عما اعده للمتقين المجتنبين لمعاصيه الفاعلين لطاعاته فقال { وأزلفت الجنة للمتقين } والازلاف التقريب إلى الخير، ومنه الزلفة، والزلفى. ويقولون: أزدلف اليه أي اقترب والمزدلفة قريب من الموقف. وهو المشعر وجمع، ومنه قول الراجز:

ناج طواه الاين مما وجفا طي الليالي زلفا فزلفا
سماؤه الهلال حتى احقوقفا

والجنة التي وعد الله المتقين بها هي البستان الذي يجمع من اللذة ارفع كل نوع فى الزينة من الابنية الفاخرة بالياقوت والزمرد وفاخر الجوهر، ومن الانهار والاشجار وطيب الثمار ومن الأزواج الكرام والحور الحسان وكريم الخدم من الولدان الذين هم زينة لكل ناظر ومتعة لكل مبصر، قد أمن اهلها العلة وانواع الاذى من فضول الاطعمة والاشربة، نسال الله حسن الاستعداد لها بالعمل الصالح المقرب منها الموجب لرضوان مالكها.
وقوله { غير بعيد } أي ليس ببعيد مجيء ذلك، لان كل آت قريب، ولذلك قال الحسن: كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.
ثم قال { هذا ما توعدون } من قرأ بالتاء فعلى الخطاب أي هذا الذي ذكرناه هو ما وعدتم به من الثواب { لكل أواب } أي رجاع إلى الله تائب اليه { حفيظ } لما أمر الله به يتحفظ من الخروج إلى ما لا يجوز من سيئة تدنسه او خطيئة تحط منه وتشينه. وقال ابن زيد: الأواب التواب، وهو من آب يؤب اوباً إذا رجع.
وقوله { من خشي الرحمن بالغيب } فالخشية انزعاج القلب عند ذكر السيئة وداعي الشهوة حتى يكون فى اعظم حال من طلبه سبع يفترسه او عدو يأتي على نفسه او طعام مسموم يدعى إلى اكله هذه خشية الرحمن التي تنفعه والتي دعا اليها ربه ومعنى { بالغيب } أي في باطنه وسريرته { وجاء بقلب منيب } أي راجع إلى الله من اناب ينيب إنابة، وموضع (من) يحتمل وجهين من الاعراب:
احدهما - الجر على البدن من (كل) كأنه قيل لمن خشى.
والثاني - الرفع على الاستئناف كأنه قال { من خشي الرحمن بالغيب } يقال لهم { ادخلوها بسلام } أي بأمان من كل مكروه ويحيون بذلك على وجه الاكرام.
وقوله { ذلك يوم الخلود } أي الوقت الذي يبقون فيه فى النعيم مؤبدين لا إلى غاية.
وقوله { لهم ما يشاؤن فيها } أي ما يريدونه ويشتهونه يجعل لهم فيها { ولدينا مزيد } من نعم الله الذي يعطيهم زيادة على مقدار استحقاقهم بعملهم.