التفاسير

< >
عرض

وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ
٤١
يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ
٤٢
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ
٤٣
يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ
٤٤
نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ
٤٥

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير { يوم تشقق } مشددة الشين على معنى تتشقق وحذف احدى التائين: والتشقق التفطير. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين { واستمع } أي اصغ إلى النداء وتوقعه { يوم ينادي المنادي } فالنداء الدعاء بطريقة يا فلان، وكأن الناس يدعون فيقال لهم: يا معشر الناس قوموا إلى الموقف للجزاء والحساب، وقيل: ينادي المنادي من الصخرة التي فى بيت المقدس، فلذلك قال { من مكان قريب } فيقول: يا أيها العظام البالية قومي لفصل القضاء وما اعد من الجزاء - فى قول قتادة - { من مكان قريب } أي يسمع الخلق كلهم على حد واحد، فلا يخفى على احد لا قريب ولا بعيد
وقوله { يوم يسمعون الصيحة بالحق } فالصيحة المرة الواحدة من الصوت الشديد ونقيضها الخدة تقول صاح يصيح صياحاً وصيحة، فهو صائح، وتصايح وتصايحوا فى الأمر تصايحا، وصيح تصييحاً وصايحه مصايحة، وهذه الصيحة هي النفخة الثانية للحشر إلى أرض الموقف { ذلك يوم الخروج }.
وقوله { إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير } اخبار منه تعالى عن نفسه بأنه هو الذي يحيي الخلق بعد ان كانوا جماداً أمواتاً. ثم يميتهم بعد أن كانوا أحياء ثم يحييهم يوم القيامة وإلى الله يصيرون ويرجعون يوم القيامة { يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً } أي الينا المصير في اليوم الذي تشقق الارض عن الأموات { سراعاً } أي بسرعة لا تأخير فيها ثم قال { ذلك حشر علينا يسير } أي سهل علينا غير شاق. والحشر الجمع بالسوق من كل جهة.
ثم قال { نحن أعلم بما يقولون } يعني هؤلاء الكفار من حجدهم نبوتك وإنكارهم البعث والنشور، لا يخفى علينا من أمرهم شيء { وما أنت عليهم } يا محمد { بجبار } قال الحسن: ما أنت عليهم برب تجازيهم بأعمالهم. وإنما أنا المجازي لهم. وقيل: وما انت عليهم بفظ في دعائهم إلى توحيد الله وإخلاص عبادته. والجبار العالي السلطان بأنه قادر على اذلال جميع العصاة بحسب الاستحقاق وهذه الصفة لا تصح إلا لله تعالى وحده، فان وصف بها الانسان كان ذماً، لانه جعل لنفسه من المقدرة ما ليس لها، وانشد الفضل:

عصينا حرمة الجبار حتى صبحنا الخوف الفاً معلمينا

وقيل { وما أنت بجبار } أي لا تتجبر عليهم، قال الفراء: يجوز ان يكون لا يجبرهم على الاسلام يقال: جبرته على الامر واجبرته بمعنى واحد. وقال غيره: لم يسمع (فعال) من (أفعلت) إلا (دراك) من (أدركت) ويكون الجبار العالي السلطان على كل سلطان باستحقاق، ويكون العالي السلطان بادعاء.
ثم قال { فذكر بالقرآن من يخاف وعيد } إنما خص بالتذكير من يخاف وعيد الله، لانه الذي ينتفع به وإن كان تذكيره متوجهاً إلى جميع المكلفين. قال الزجاج: إنما قال الله للنبي صلى الله عليه وآله ذلك قبل ان يأمره بالقتال.