التفاسير

< >
عرض

وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٣٨
فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ
٣٩
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ
٤٠
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ
٤١
مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ
٤٢
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ
٤٣
فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ
٤٤
فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ
٤٥
-الذاريات

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ الكسائي { الصعقة } الباقون { الصاعقة }، فالصعقة مصدر صعق يصعق صعقاً وصعقة واحدة. والصاعقة الاسم تقول: صاقعة وصاعقة مقدماً ومؤخراً، وصواعق وصواقع، وقيل: هما لغتان.
قوله { وفي موسى } عطف على قوله { وتركنا فيها آية } فكأنه قال: وتركنا فى موسى آية حين أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين أي بحجة ظاهرة { فتولى بركنه } قال ابن عباس وقتادة ومجاهد: معناه بقوته. وقيل: معناه تولى بما كان يتقوى به من جنده وملكه. والركن الجانب الذي يعتمد عليه. والمعنى ان فرعون أعرض عن حجة موسى ولم ينظر فيها بقوته في نفسه { وقال ساحر } أي هو ساحر { أو مجنون } فالسحر حيلة توهم المعجزة بحال خفية. واصله خفاء الأمر فمنه السحر الوقت الذي يخفى فيه الشخص. والسحر الرئة لخفاء سببها فى الترويح عن القلب بها. والسحارة لخفاء السبب فى تلون خيطها. والمجنون الذي أصابته جنة فذهب عقله. وقال الزجاج (او) هٰهنا بمعنى الواو، والتقدير ساحر ومجنون. وقال غيره: في ذلك دلالة على عظم جهل فرعون، لان الساحر هو اللطيف الحيلة وذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل، فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصفتين فقال الله تعالى مخبراً عن نفسه { فأخذناه وجنوده فنبذناهم } يعني إنا نبذنا فرعون وجنوده { في أليم } أي طرحناه في البحر كما يلقى الشيء في البر { وهو مليم } أي آت بما يلام عليه من الكفر والجحود والعتو والتجبر والتكبر واحد. والملوم الذي وقع به اللوم، والمليم الذي أتى بما يلام عليه.
وقوله { وفي عاد } عطف ايضاً على قوله { وتركنا فيها } أي وتركنا فى عاد ايضاً آية أي دلالة فيها عظة { إذ أرسلنا } أي اطلقنا { عليهم الريح العقيم } وهي التي عقمت عن ان تأتي بخير من تنشئة سحاب او تلقيح شجرة او تذرية طعام او نفع حيوان، فهي كالممنوعة من الولادة. وجمع الريح أرواح ورياح، ومنه راح الرجل إلى منزله أي رجع كالريح، والراحة قطع العمل المتعب. وقال ابن عباس: الريح العقيم التي لا تلقح الشجر ولا تنشىء السحاب. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
"نصرت بالصبا واهلكت عاد بالدبور" .
وقوله { ما تذر من شيء أتت عليه } أى لم تترك هذه الريح شيئاً تمر عليه { إلا جعلته كالرميم } وهو السحيق الذي انتفى رمه بانتفاء ملاءمة بعضه لبعض، وأما رمه يرمه رماً فهو رام له والشيء مرموم فهو المصلح بملاءمة بعضه لبعض، وهو اصل الرميم الذي رمه بنقصه. وقيل: الرميم الذى ديس من يابس النبات. وقيل: الرميم العظم البالي المنسحق.
وقوله { وفي ثمود إذ قيل لهم } أيضاً عطف على قوله { وتركنا فيها آية.. وفي ثمود } وهم قوم صالح لما كفروا وجحدوا نبوة صالح وعقروا ناقة الله واستحقوا الاهلاك { قيل لهم تمتعوا حتى حين } أى انتفعوا فى اسباب اللذات من المناظر الحسنة والروائح الطيبة والاصوات السجية وكل ما فيه منفعة على هذه الصفة { حتى حين } أى إلى حين قدر الله ابقاءكم اليه. وقيل: إلى حين آجالكم إن اطعتم الله - في قول الحسن - { فعتوا عن أمر ربهم } فالعتو الامتناع عن الحق، وهو الجفاء عنه ترفعاً عن إتباع الداعي اليه { فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون } أى ارسل الله اليهم الصاعقة التي أهلكتهم واحرقتهم وهم يبصرونها { فما استطاعوا من قيام } أى لم يقدروا على النهوض به { وما كانوا منتصرين } أى طالبين ناصراً يمنعهم من عذاب الله - عز وجل - وقرأ الكسائي { الصعقة } بغير الف. وقد بيناه.