التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ
٢١
وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢٢
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ
٢٣
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ
٢٤
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ
٢٥
-الطور

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة { واتبعتهم } بالتاء { ذريتهم } على واحدة { بهم ذريتهم } على واحدة ايضاً. وقرأ نافع { واتبعتهم } بالتاء { ذريتهم } على واحدة { بهم ذرياتهم } على الجمع. وقرأ ابن عامر { واتبعتهم ذرياتهم } بالتاء على الجمع { بهم ذرياتهم } جماعة ايضاً. وقرأ ابو عمرو { أتبعناهم } بالنون { ذرياتهم } جماعة { ألحقنا بهم ذرياتهم } جماعة ايضاً. وقرأ ابن كثير وحده { وما ألتناهم } بفتح الألف وكسر اللام. الباقون - بفتح الألف واللام - وقرأ ابن كثير وأبو عمرو { لا لغوا فيها ولا تأثيم } نصباً. الباقون بالرفع والتنوين. قال الزجاج: فمن رفع فعلى ضربين: احدهما - على الابتداء و (فيها) الخبر، والثاني - أن تكون (لا) بمعنى ليس رافعة وانشد سيبويه:

من فر عن نيرانها فأنا ابن قيس لا براح

ومن نصب بنى كقوله { { لا ريب فيه } والاختيار عند النحويين إذا كررت (لا) الرفع. والنصب جائز حسن.
يقول الله تعالى { والذين آمنوا } بالله وأقروا بتوحيده وصدقوا رسله { واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } من قرأ بالنون معناه، وألحقنا بهم ذرياتهم أي ألحق الله بهم ذرياتهم يعني حكم لهم بذلك. ومن قرأ { واتبعتهم } نسب الاتباع إلى الذرية. والمعنى إنهم آمنوا كما آمنوا، فمن جمعه فلاختلاف اجناس الذرية، ومن وحد، فلانه يقع على القليل والكثير، وإنما قرأ ابو عمرو { أتبعناهم } بالنون لقوله بعد ذلك { ألحقنا } وقال البلخي: معنى الآية إن ثواب الذرية إذا عملوا مثل أعمال الاباء يثابون مثل ثواب الاباء، لان الثواب على قدر الاعمال. ولما قال { واتبعناهم ذرياتهم } بين أن ذلك يفعل بهم من غير ان ينقص من أجورهم، لئلا يتوهم انه يلحقهم نقص أجر. وقال الزجاج: معنى الآية إن الابناء إذا كانوا مؤمنين فكانت مراتب آبائهم فى الجنة أعلا من مراتبهم ألحق الابناء بالآباء، ولم ينقص الآباء من أعمالهم، وكذلك إن كان اعمال الآباء انقص ألحق الآباء بالابناء. والاتباع إلحاق الثاني بالاول فى معنى عليه الأول، لانه لو ألحق به من غير أن يكون فى معنى هو عليه لم يكن إتباعاً، وكان إلحاقاً. وإذا قيل: اتبعه بصره فهو الادراك، وإذا قيل: تبعه فهو يصرف البصر بتصرفه.
وقوله { ألحقنا بهم ذرياتهم } قال ابن عباس والضحاك وابن زيد: الحقوا الأولاد بالاباء إذا آمنوا من أجل إيمان الأباء. وفى رواية أخرى عن ابن عباس: أن التابعين الحقوا بدرجة آبائهم، وإن قصرت اعمالهم تكرمة لآبائهم والاول هو الوجه. وإنما وجب بالايمان إلحاق الذرية بهم مع أنهم قد يكون ليس لهم ذرية لانه إنما يستحق ذلك السرور على ما يصح ويجوز مع أنه إذا اتبع الذرية على ما أمر الله به استحق الجزاء فيه، فان أبطلته الذرية عند البلوغ بسوء عمل، وِّفي سروره فى أمر آخر كما أن اهل الجنة من سرورهم ما ينزل باعدائهم فى النار، فلو عفى عنهم لوفوا سرورهم بأمر آخر.
وقوله { وما ألتناهم } معناه ما نقصناهم يقال: ألته يألته ألتاً، وألاته يلته إلاتة، ولاته يليته ثلاث لغات - ذكرها ابو عبيدة: إذا نقصه، فبين - عز وجل - أنه لا يجوز عليه نقصان شيء من جزاء عمله، لانه لا يجوز عليه الظلم لا قليله ولا كثيره ولا صغيره ولا كبيره، وقال ابن عباس ومجاهد والربيع { وما ألتناهم } ما نقصناهم قال الشاعر:

ابلغ بني ثعل عني مغلغلة جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذبا

وقوله { كل امرىء بما كسب رهين } أي كل إنسان يعامل بما يستحقه ويجازى بحسب ما عمله إن عمل طاعة أيثب عليها وإن عمل معصية عوقب بها لا يؤاخذ احد بذنب غيره. والرهين والمرهون والمرتهن هو المحتبس على أمر يؤدى عنه بحسب ما يجب فيه، فلما كان كل مكلف محتبساً على عمله، فان صح له اداؤه على الواجب فيه تخلص، وإلا هلك، فلهذا قال { كل امرىء بما كسب رهين }.
قوله { وأمددناهم بفاكهة } فالامداد هو الاتيان بالشيء بعد الشيء يقال: مد الجرح وأمد النهر، والفاكهة هي الثمار { ولحم مما يشتهون } أي وامددناهم ايضاً بلحم من الجنس الذي يشتهونه.
وقوله { يتنازعون فيها كأساً } أي يتعاطون كأس الخمر، قال الاخطل:

نازعتهم طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري

والكأس الأناء المملوء بالشراب، فان كان فارغاً فلا يسمى كأساً - ذكره الفراء - وقوله { لا لغو فيها ولا تأثيم } معناه لا يجري بينهم باطل ولا ما يلغى فيه ولا ما فيه أثم كما يجري فى الدنيا عند شرب الخمر. وقوله { ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون } يعني فى صفائه وبياضه وحسن منظره، والمكنون المصون. وقيل: ليس على الغلمان مشقة فى خدمة أهل الجنة، بل لهم فى ذلك لذة، لأنه ليس هناك دار محنة. وقوله { وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون } أي يسأل بعضهم بعضاً عن حاله، وما هو فيه من انواع النعيم فيسرون بذلك ويزداد فرحهم وقيل: يسأل بعضهم بعضاً عما فعلوه في دار الدنيا مما استحقوا به المصير إلى الثواب والكون فى الجنان بدلالة قوله { إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين }.