التفاسير

< >
عرض

أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ
٤١
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٤٣
وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
٤٤
فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
٤٥
يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٤٦
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٧
وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
٤٨
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ
٤٩
-الطور

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ عاصم وابن عامر { يصعقون } بضم الياء - على ما لم يسم فاعله - الباقون بفتح الياء على اضافة الفعل اليهم، وهما لغتان. يقال: صعق فلان فهو مصعوق وصعق فهو صاعق. وروي عن عاصم أيضاً { يصعقون } بضم الياء وكسر العين بمعنى يحصلون فى الصاعقة. وقيل: الصعق الهلاك بصيحة تصدع القلب. وقيل: الصعق عند النفخة الاولى. قال قوم: إن قوله { أم عندهم الغيب فهم يكتبون } جواب لقولهم ان كان امر الآخرة على ما تدعون حقاً فلنا الجنة كقولهم { { ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى } ذكره الحسن. والغيب الذي لا يعلمه إلا الله هو ما لم يعلمه العاقل ضرورة ولا عليه دلالة. والله تعالى عالم به، لانه يعلمه لنفسه، والعالم لنفسه لا يخفى عليه شيء من وجه من الوجوه.
وقوله { أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم المكيدون } فالكيد هو المكر. وقيل: هو فعل ما يوجب الغيظ فى خفى يقال: كاده يكيده كيداً، فهو كائد، والمفعول مكيد وكايده مكايدة مثل غايظة مغايظة. والكيد من الله هو التدبير الذي يدبره لأوليائه على اعدائه ليقهروهم ويستعلوا عليهم بالقتل والاسر. وقال الزجاج: معناه أيريدون بكفرهم وطغيانهم كيداً، فالله تعالى يكيدهم بالعذاب فى الدنيا والآخرة.
وقوله { أم لهم إله غير الله } أي على حقيقية معنى الالهية وهو القادر على ما تحق به العبادة فلذلك عبدوه؟! فانهم لا يقدرون على دعوى ذلك. ثم نزه نفسه فقال { سبحان الله عما يشركون } من ادعاء آلهة معه من الاصنام والاوثان.
وقوله { وإن يروا كسفاً من السماء ساقطاً } فالكسف جمع كسفة كقولك: سدر وسدرة، وهو جواب قولهم
{ أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً } } فقال الله تعالى لو سقط عليهم ما آمنوا ولقالوا { سحاب مركوم } والكسف القطعة من الغيم بقدر ما يكسف ضوء الشمس. والكسف من السماء القطعة منها. والسحاب الغيم سمي بذلك لانسحابه فى السماء، والمركوم الموضوع بعضه على بعض. وكل الأمور المذكورة بعد (أم) إلزامات لعبدة الاوثان على مخالفة القرآن، ثم قال تعالى للنبي صلى الله عليه وآله { فذرهم } أي اتركهم { حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون } أي يهلكون فيه بوقوع الصاعقة عليهم. وقيل: الصعقة هي النفخة الاولى التي يهلك عندها جميع الخلائق، ثم وصف ذلك اليوم بأن قال { يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئاً } أي لا ينفعهم كيدهم وحيلتهم ولا تدفع عنهم شيئاً، لان جميعه يبطل { وهم لا ينصرون } بالدفاع عنهم. والفرق بين الغنى بالشيء والغنى عنه أن الغنى عنه يوجب أن وجوده وعدمه سواء فى أن الموصوف غني، وليس كذلك الغنى به، لانه يبطل ان يكون الموصوف غنياً. والغني هو الحي الذي ليس بمحتاج، وليس بهذه الصفة إلا الله تعالى. ومعنى { لا يغني عنهم } أي لا يصرف عنهم شيئاً من الضرر الذي يقع إلى نفع يصير بمنزلة الغنى لهم.
وقوله { وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك } قال ابن عباس: هو عذاب القبر، وبه قال البراء وقال مجاهد: هو الجوع فى الدنيا. وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا. وقال قوم: هو عموم جميع ذلك.
ثم قال { ولكن أكثرهم لا يعلمون } ومعناه إن اكثر هؤلاء الكفار لا يعلمون صحة ما أمرناهم وأمرناك به لجحدهم نبوتك.
ثم قال تعالى للنبي صلى الله عليه وآله { واصبر } يا محمد { لحكم ربك } الذي حكم به وألزمك التسليم له { فإنك بأعيننا } أي بمرئى منا ندركك، ولا يخفى علينا شيء من أمرك، نحفظك لئلا يصلوا إلى شيء من مكروهك. وأمره بالتنزيه له عما لا يليق به فقال { وسبح بحمد ربك حين تقوم } قال ابو الاحوص: معناه حين تقوم من نومك. وقال الضحاك: معناه إذا قمت إلى الصلاة المفروضة، فقل سبحانك اللهم وبحمدك. وقال ابن زيد: معناه صل بحمد ربك حين تقوم من نوم القائلة إلى صلاة الظهر. ثم قال { ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم } معناه من الليل يعني من المغرب والعشاء الآخرة { وإدبار النجوم } قال الضحاك وابن زيد: هو صلاة الفجر قال ابن عباس وقتادة. هما الركعتان قبل صلاة الفجر، وقال الحسن: هما الركعتان قبل صلاة الفجر تطوعاً، والنجوم هي الكواكب واحدها نجم، ويقال: نجم النبت ونجم القرن والسن إلا انه إذا اطلق أفاد الكواكب. وقرأ { وإدبار النجوم } بفتح الهمزة زيد عن يعقوب على انه جمع. الباقون - بكسرها - على المصدر.