التفاسير

< >
عرض

وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ
٢٦
إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ
٢٧
وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً
٢٨
فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا
٢٩
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ
٣٠
-النجم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات كوفي وأربع في ما عداه، عدّ الشاميون { فأعرض عن من تولى } ولم يعده الباقون. وعد الكوفيون { من الحق شيئاً } ولم يعده الباقون وعد الكل { الحياة الدنيا } إلا الشاميون، فانهم عدّوا آخر الآية { اهتدى }.
يقول الله تعالى مخبراً بان كثيراً من ملائكة السموات { لا تغني شفاعتهم } أي لا تنفع شفاعتهم فى غيرهم باسقاط العقاب عنهم { شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء } ان يشفعوا فيه ويطلق لهم ذلك { ويرضى } ذلك، وقيل: إن الغرض بذلك الانكار على عبدة الاوثان وقولهم: إنها تشفع لأن الملك إذا لم تغن شفاعته شيئاً فشفاعة من دونة أبعد من ذلك. وفي ذلك التحذير من الاتكال على الشفاعة، لانه إذا لم يغن شفاعة الملائكة كان شفاعة غيرهم أبعد من ذلك. ولا ينافي ما نذهب اليه من أن النبي صلى الله عليه وآله والائمة والمؤمنين يشفعون في كثير من أصحاب المعاصي، فيسقط عقابهم لمكان شفاعتهم، لان هؤلاء - عندنا - لا يشفعون إلا باذن من الله ورضاه، ومع ذلك يجوز أن لا يشفعوا فيه فالزجر واقع موقعه.
ثم أخبر الله تعالى { إن الذين لا يؤمنون بالآخرة } أي لا يصدقون بالبعث ولا بالثواب ولا بالعقاب { يسمون الملائكة تسمية الأنثى } قال الحسن كانوا يسمون الملائكة بنات الله. ثم قال { وما لهم به من علم } أي بما يقولونه ويسمونه { من علم } أي ليسوا عالمين بذلك { إن يتبعون إلا الظن } أي ليس يتبعون في قولهم ذلك إلا الظن الذي يجوز أن يخطىء ويصيب، وليس معهم شيء من العلم.
وقوله { إن الظن لا يغني من الحق شيئاً } معناه إن الظن لا يغني من العلم لأنه لا بد من علم يحسن الفعل حتى يجوز أن يفعل، وإن كان الظن فى بعض الاشياء علامة للحسن، فما أغنى عن العلم.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { فأعرض } يا محمد { عمن تولى عن ذكرنا } ولم يقر بتوحيدنا وجحد نبوتك ومال إلى الدنيا ومنافعها { ولم يرد إلا الحياة الدنيا } والتمتع فيها أي لا تقابلهم على أفعالهم واحتملهم، ولم ينهه عن تذكيرهم ووعظهم. ثم قال { ذلك مبلغهم من العلم } ومعناه إن علمهم انتهى إلى نفع الدنيا دون نفع الآخرة، وهو صغير حقير فى نفع الآخرة، فطلبوا هذا وتركوا ذلك جهلا به.
ثم قال { إن ربك } يا محمد { هو أعلم } منك ومن جميع الخلق { بمن ضل عن سبيله } أي بمن جار وعدل عن طريق الحق الذي هو سبيله { وهو أعلم بمن اهتدى } اليها فيجازي كل واحد على حسب ذلك إن عملوا طاعة أثابهم عليها وإن عملوا معصية عاقبهم عليها.