التفاسير

< >
عرض

أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ
٣٦
وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ
٣٧
أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
٣٨
وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ
٣٩
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ
٤٠
ثُمَّ يُجْزَاهُ ٱلْجَزَآءَ ٱلأَوْفَىٰ
٤١
وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ
٤٢
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ
٤٣
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا
٤٤
وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٤٥
مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ
٤٦
-النجم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما وبخ الله تعالى الذي أعطى قليلا واكدى، وبين أنه ليس عنده علم الغيب فيصدق من قال إنه يتحمل خطاياه، بين ان الذى وعده بذلك { أم لم ينبأ } أى لم يخبر بما في صحف الانبياء ولم يعلم ذلك فـ (أم) بمعنى (بل) وتقديره بل لم ينبأ بما في صحف موسى والصحف جمع صحيفة والمراد - هٰهنا - مكتوب الحكمة، لانها كتب الله.
وقوله { وإبراهيم } أى ولا فى صحف ابراهيم { الذي وفى } أى وفى بما يجب عليه الله - عز وجل - واستحق أن يمدح بهذا المدح. وقال مجاهد { وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى } وقيل فى رسالة ربه في هذا أو في غيره - ذكره سعيد بن جبير وقتادة وابن زيد - وهو أليق بالعموم. وقوله { الذي وفى } قيل: استحق المدح بذبح ولده وإلقائه فى النار وتكذيبه فى الدعاء إلى الله فوفى ما عليه فى جميع ذلك. وقوله { ألا تزر وازرة وزر أخرى } أي بين الله تعالى فى صحف ابراهيم وموسى أن لا تزر وازرة وزر أخرى، ومعناه أنه لا يؤاخذ احد بذنب غيره، يقال: وزر يزر إذا كسب وزراً، وهو الاثم، فهو وازر.
وقوله { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } معناه ليس له من الجزاء إلا جزاء ما عمل دون ما عمله غيره، ومتى دعا إلى الايمان من أجاب اليه فهو محمود عليه على طريق التبع كأنه من أجل عمله صار له الحمد على هذا، ولو لم يعمل شيئاً ما استحق شيئاً لا ثواباً ولا عقاباً.
وقوله { وأن سعيه سوف يرى } معناه إن ما يفعله الانسان ويسعى فيه لا بد أن يرى فى ما بعد بمعنى أنه يجازى عليه من ثواب او عقاب، وبين ذلك بقوله { ثم يجزاه الجزاء الأوفى } أي يجازى على اعماله الطاعات بأوفى ما يستحقه من الثواب الدائم، والهاء في (يجزاه) عائدة على السعي.
وقوله { وأن إلى ربك المنتهى } معناه وأن إلى ثواب ربك وعقابه آخر الأمور، والمنتهى هو المصير إلى وقت بعد الحال الأولى عن حال مثلها، فللتكليف منتهى، وليس للجزاء في دار الآخرة منتهى. والمنتهى قطع العمل إلى حال أخرى والمنتهى والآخر واحد. وقوله { وأنه هو أضحك وأبكى } قيل اضحك بأن فعل سبب ذلك من السرور والحزن، كما يقال أضحكني فلان وأبكاني اذا كان سبب ذلك بما يقع عنده ضحكي وبكائي، فعلى هذا الضحك والبكاء من فعل الانسان. وقد قال الله تعالى
{ فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيراً } ولو لم يكن من فعلنا لما حسن ذلك. وقال تعالى { { أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون } وقال { { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } فنسب الضحك اليهم. وقال الحسن: الله تعالى هو الخالق للضحك والبكاء، والضحك تفتح اسرار الوجه عن سرور وعجب في القلب، فاذا هجم على الانسان منه ما لا يمكنه دفعه فهو من فعل الله الذي أضحك وابكى. والبكاء جريان الدموع على الخد عن غم في القلب، وإنما يبكى الانسان عن فرح يمازجه تذكر حزن، فكأنه عن رقة في القلب يغلب عليها الغم.
وقوله { وأنه هو أمات وأحيا } معناه انه تعالى الذي يخلق الموت فيميت به الأحياء لا يقدر على الموت غيره، لانه لو قدر على الموت غيره لقدر على الحياة، لأن القادر على الشيء قادر على ضده، ولا احد يقدر على الحياة إلا الله.
وقوله { وأحيا } أي هو الذي يقدر على الحياة التي يحيي بها الحيوان لا يقدر عليها غيره من جميع المحدثات.
ثم بين ايضاً { أنه } الذي { خلق الزوجين الذكر } منهما { والأنثى من نطفة } أي خلق الذكر والانثى من النطفة، وهي ماء الرجل والمرأة التي يخلق منها الولد { إذا تمنى } يعني إذا خرج المني منهما وجعل في الرحم خلق الله تعالى منها الولد إما ذكراً واما انثى، ومعنى تمنى أي تلقى على تقدير في رحم الانثى، واصله التقدير يقولون: منى يمني فهو مان إذا قدر قال الشاعر:

حتى تقلاقي ما يمنى لك الماني

أى يقدر ومنه التمني تقدير المعنى للاستمتاع به.