التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٤٧
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ
٤٨
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ
٤٩
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ
٥٠
وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ
٥١
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ
٥٣
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ
٥٥
-النجم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل البصرة غير سهل { عاد الولى } مدغمة بلا همز، وعن نافع خلاف فانه ادغم وترك الهزة إلا قالون، فانه همز، الباقون بالهمز والاظهار. من أدغم القى حركة الهمزة على اللام، فانضمت ثم سكنها وحذف همزة الوصل، ولقيتها النون فأدغمت في اللام، ونظير ذلك قول العرب: قم الان عنا، يريدون ثم الآن عنا. وقولهم: صم الثنين أى صم الاثنين. الباقون تركوه على حاله. وقرأ حمزة وحفص عن عاصم { وثمود } بلا تنوين. الباقون بتنوين. قال الفراء: وقوله { وآتينا ثمود الناقة } ترك صرفها لأنه ليس فيها الف.
لما بين الله تعالى انه هو الذى يخلق الذكر والانثى من النطفة إذا تمنى ذكر { وأن عليه النشأة الأخرى } وهي البعثة يوم القيامة، والنشأة الصنعة المخترعة خلاف المسببة، وهما نشأتان: الأولى في الدنيا، والثانية في الآخرة.
ثم قال { وأنه هو أغنى وأقنى } ومعناه أغنى بالمال واقنى باصول الأموال. وقال مجاهد: اقنى أي اخدم. وقال الزجاج: ومعناه اغنى بعد الفقر واقنى بالمال الذى يقتنى. وقيل: معنى (اقنى) انه جعل له اصل مال، وهو القنية التي جعلها الله للعبد، فاما (اغنى) فقد يكون بالعافية والقوة والمعرفة قال الاعشى:

فاقنيت قوماً واعمرتهم واخربت من ارض قوم ديارا

اى جعل لهم قنية. واصل (اقنى) الاقتناء، وهو جعل الشيء للنفس على اللزوم، فمنه القناة، لانها مما يقتنى ومن ذلك اقنى الانف، لانه كالقناة في ارتفاع وسطه ودقة طريقه. والقنو العذق قبل ان يبلغ لأنه كالذى يقتنى في اللزوم حتى يبلغ، والمقاناة المشاكلة في اللون.
وقوله { وأنه هو رب الشعرى } معناه وان الله الذى خلق الشعرى واخترعها. والشعرى النجم الذى خلف الجوزاء وهو احد كوكبي ذراع الاسد وقم المرزم، وكانوا يعبدونهما في الجاهلية - في قول مجاهد وقتادة - ثم قال { وأنه أهلك عاداً الأولى } قيل هو عاد بن ارم، وهم الذين اهلكهم الله بريح صرصر عاتية. وعاد الآخرة أهلكوا ببغي بعضهم على بعض، فتفاتوا بالقتل - ذكره ابن اسحاق - وقال الحسن: الأولى أي قبلكم، وإنما فتحت (أن) فى المواضع كلها، لانها عطف على قوله { أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى } وبكذا وكذا، فلما حذف الباء نصبه. وقوله { وثمود فما أبقى } نصب بـ (اهلك) الذي قبله، وتقديره وأهلك ثموداً فما ابقى، ولا يجوز أن يكون منصوباً بقوله { فما أبقى } لان (ما) لا يعمل ما بعدها في ما قبلها، لا تقول: زيداً ما ضربت، لأنها من الحروف التي لها صدر الكلام، كألف الأستفهام.
وقوله { وقوم نوح من قبل } معناه وأهلكنا قوم نوح من قبل قوم صالح { إنهم كانوا هم أظلم وأطغى } فالأظلم الأعظم ظلماً، والأطغى الاعظم طغياناً، فالظلم يتعاظم كما يتعاظم الضرر، وعظم الظلم بحسب عظم الزاجر عنه. وقيل: مكث نوح فى قومه يدعوهم إلى الله وكلما دعاهم فما يزدادون إلا تتابعاً فى الضلال وتواصياً بالتكذيب لأمر الله - فى قول قتادة -
وقوله { والمؤتفكة } يعني المنقلبة، وهي التي صار اعلاها أسفلها، واسفلها اعلاها ائتفكت بهم تؤتفك ائتفاكاً، ومنه الافك الكذب، لأنه قلب المعنى عن وجهه. ومعنى { أهوى } نزل بها فى الهوى، ومنه الهوى: أهوى بيده ليأخذ كذا، وهوى هواء إذا نزل فى الهواء، فأما إذا نزل فى سلم أو درجة، فلا يقال: أهوى، ولا هوى. وقيل: قرية سدوم، قوم لوط، رفعها جبرائيل إلى السماء ثم اهوى بها قالباً لها - فى قول مجاهد وقتادة - وقوله { فغشاها ما غشى } يعني من الحجارة المسومة التي رموا بها من السماء - فى قول قتادة وابن زيد - والمعنى فجللها من العذاب ما يعمها حتى أتى عليها (ما غشى) وفيه تفخيم شأن العذاب الذي رماها به ونالها من جهة إبهامه فى قوله { ما غشى } كأنه قد جل الأمر عن أن يحتاج إلى تفصيل وصفه.
وقوله { فبأي آلاء ربك تتمارى } معناه بأي نعم ربك ترتاب يا بن آدم! - ذكره قتادة - وإنما قيل بعد تعديد النعم { فبأي آلاء ربك تتمارى } لأن النقم التي عددت على من ذكر نعم من الله علينا لما لنا فى ذلك من اللطف فى الانزجار عن القبيح مع أنه نالهم ما نالهم بكفرهم فبأي نعم ربك أيها المخاطب تتمارى حتى تكون مقارناً لهم في سلوك بعض مسالكهم، أي فما بقيت لك شبهة بعد تلك الأهوال في جحد نعمه.