التفاسير

< >
عرض

هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ
٥٦
أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ
٥٧
لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ
٥٨
أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ
٥٩
وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ
٦٠
وَأَنتُمْ سَامِدُونَ
٦١
فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ
٦٢
-النجم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قوله { هذا نذير } إشارة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله - في قول قتادة - وقال ابو مالك: هو إشارة إلى القرآن { من النذر الأولى } في صحف إبراهيم وموسى.
يقول الله تعالى { هذا } يعني محمداً { نذير } أي مبين لما ينبغي أن يحاذر منه وما ينبغي ان يرغب فيه بأحسن البيان، وهذه صفة رسل الله عليهم السلام. والنبي أحسن الناس انذاراً وأكرمهم إبلاغاً لما امر الله بتبليغه إلى أمته. وقوله { من النذر الأولى } من جملة الرسل الذين بعثهم الله، وإن كان هو آخرهم، كما تقول: هو من بني آدم، وإن كان أحدهم.
وقوله { أزفت الآزفة } معناه دنت القيامة، وهي الدانية. قال النابغة الذبياني

ازف الترحل غير ان ركابنا لما تزل برحالنا وكأن قد

وقال كعب بن زهير:

بان الشباب وامسى الشيب قد أزفا ولا ارى لشباب ذاهب خلفا

وإنما سميت القيامة آزفة، وهي الدانية، لان كل آت قريب، فالقيامة قد قربت بالاضافة إلى ما مضى من المدة من لدن خلق الله الدنيا. وقوله { ليس لها من دون الله كاشفة } معناه لا يقدر أن يقيمها إلا الله وحده، وليس يجلي عنها ويكشف عنها سواه. وقيل كاشفة أي جامعة كاشفة أي نفس كاشفة، ويجوز ان يكون مصدراً مثل العافية والعاقبة والواقية، فيكون المعنى ليس لها من دون الله كشف أي ذهاب أي لا يقدر أحد غير الله على ردها. وقال الحسن: هو مثل قوله { { لا يجليها لوقتها إلا هو } وقيل: كاشفة بمعنى الانكشاف كقوله { { ليس لوقعتها كاذبة } } ومثله { { ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم } أي خيانة. والسامد اللاهي، يقال دع عنك سمودك أي امرك، وكأنه المستمر في اللهو، يقال: سمد يسمد سموداً فهو سامد، وقال الشاعر:

قيل قم فانظر اليهم ثم دع عنك السمودا

ويقال للجارية: اسمدي لنا أى غني. وقوله { فاسجدوا لله واعبدوا } أمر من الله تعالى بالسجود له والصلاة وان يعبدوه خالصاً مخلصاً لا يشركون به احداً في العبادة، فتعالى الله عن ذلك، وفي الآية دلالة على ان السجود - ها هنا - فرض على ما يذهب اليه اصحابنا لان الأمر يقتضي الوجوب.