التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ
٣١
وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٣٢
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ
٣٣
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ
٣٤
نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ
٣٥
وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ
٣٦
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٧
وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ
٣٨
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٩
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ
٤٠
-القمر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما اخبر الله تعالى عن قوم صالح أنهم عقروا الناقة وأنه تعالى أهلكهم بين كيف أهلكهم فقال { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة } وهي المرة من الصوت بشدة عظيمة هلكوا كلهم بها، يقال: صاح يصيح صياحاً وصايحة ومصايحة وصيح به تصييحا وإنها صيحة تخلع القلوب وتهدم الأبدان لعظمها وقوله { فكانوا كهشيم المحتظر } أي صاروا كالهشيم، وهو المنقطع بالتكسير والترضيض، هشم أنفه يهشمه إذا كسره ومنه الهاشمة وهي شجة مخصوصة. والهشم - ها هنا - يبس الشجر المتفتت الذي يجمعه صاحب الحظيرة و { المحتظر } المبتني حظيرة على بستانه أو غيره، تقول احتظر احتظاراً، وهو من الحظر، وهو المنع من الفعل بحايط أو غيره، وقد يكون الحظر بالنهي. وقرأ بفتح الظاء وهو المكان الذي يحتظر فيه الهشيم. وقيل: هشيم المحتظر قال الضحاك: هو الحظيرة تتخذ للغنم يبس فتصير رميماً. وقيل: الهشيم حشيش يابس متفتت يجمعه المحتظر لمواشيه. وقيل: الهشيم اليبس من الشجر أجمع الذي يفتت. وقوله { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } قد فسرناه وقال قتادة: فهل من طالب علم يتعلم؟ وفيها دلالة على بطلان قول المجبرة، لانه ذكر انه يسر القرآن ليتذكر العباد به، ولو كان الأمر على ما يقولون لكان ليتذكر القليل منهم دون سائرهم.
وقوله { كذبت قوم لوط بالنذر } اخبار منه تعالى أن قوم لوط كذبوا الرسل بالانذار على ما فسرناه. وفائدة ذكر التحذير على ما بيناه من فعل مثله لئلا ينزل بهم مثل ما نزل باولئك، وفي الكلام حذف وتقديره فأهلكناهم. ثم بين كيف أهلكهم فقال { إنا أرسلنا عليهم حاصباً } والحاصب الحجارة التي يرمى بها القوم، حصبوا بها إذا رموا، ومنه الحصباء الارض ذات الحصى، لانه يحصب بها وقيل: الحاصب سحاب رماهم بالحجارة وحصبهم بها قال الفرزدق:

مستقبلين رياح الشام تضربنا بحاصب كنديف القطن منثور

ثم استثنى آل لوط، وتقديره إنا أرسلنا عليهم حاصباً أهلكناهم به { إلا آل لوط } فانا { نجيناهم } وخلصناهم من العذاب { بسحر } أي بليل لا سحراً بعينه، لان سحراً إذا اردت به سحر يومك لم تصرفه، وإذا أردت به سحراً من الاسحار صرفته.
وقوله { نعمة من عندنا } قال الزجاج نصبه على انه مفعول له، ويجوز ان يكون على المصدر، وتقديره أنعمنا بها عليهم نعمة. ثم قال { كذلك نجزي من شكر } أي مثل ما فعلنا بهم نفعل بمن يشكر الله على نعمه، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم للمنعم، ونقيضه كفر النعمة، ومثله الحمد على النعمة.
ثم اخبر تعالى عن لوط بأنه أنذر قومه بطشة الله وهي الأخذ بالعذاب بشدة فكذلك أخذ الله - عز وجل - آل لوط باشد العذاب بالائفاك ورمي الاحجار من السماء.
وقوله { فتماروا بالنذر } أي تدافعوا على وجه الجدال بالباطل، يقال: تمارى القوم تمارياً وماراه مماراة ومراء، ومراه يمريه مرياً إذا أستخرج ما عنده من العلم بالمري.
وقوله { ولقد راودوه عن ضيفه } إخبار منه تعالى بأن قوم لوط حاولوا ضيفه وراودوهم على الفساد، فالمراودة المحاولة، فكأن قوم لوط طالبوه بأن يخلي بينهم وبين ضيفه لما يرونه من الفاحشة. والضيف المنضم إلى غيره على طلب القرى، إذ كانوا أنوا لوطاً على هذه الصفة إلى ان تبين أمرهم وانهم ملائكة الله أرسلهم لاهلاكهم
وقوله { فطمسنا أعينهم } فالطمس محو الاثر بما يبطل معه إدراكه، طمس يطمس طمساً وطمس الكتاب تطميساً وطمست الريح الاثار إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب، قال كعب بن زهير:

من كل نضاخة الذفرى إذا عرفت عرضتها طامس الاعلام مجهول

وقال الحسن وقتادة: عميت أبصارهم. وقال الضحاك: إنهم دخلوا البيت على لوط، فلما لم يروهم سألوا عنهم وإنصرفوا.
وقوله { فذوقوا عذابي ونذر } معناه قالت لهم الملائكة ذوقوا عذاب الله ونذره أي وما خوفكم به من عذابه.
ثم قال تعالى { ولقد صبحهم } يعني قوم لوط { بكرة } نصبه على الظرف فاذا أردت بكرة يومك لم تصرفه. وإذا أردت بكرة من البكرات صرفته. ومثله غدوة وغدواة. وقوله { عذاب مستقر } أي استقر بهم حتى هلكوا جميعاً. وقوله { فذوقوا عذابي ونذر } قيل: قالت لهم الملائكة ذلك. وقال قوم: القائل هو الله تعالى قال لهم فى تلك الحال يعني عند طمس أعينهم. والائتفاك بهم ورميهم بالحجارة { ذوقوا عذابي ونذر. ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } وقد فسرناه وبينا الوجه فيه.