التفاسير

< >
عرض

ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ
١
وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ
٢
وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ
٣
وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ
٤
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ
٥
-القمر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو جعفر { وكل أمر مستقر } بالجر صفة لـ { أمر }. الباقون بالرفع على انه خبر { كل }.
هذا اخبار من الله تعالى بدنو الساعة وقرب أوانها، فقوله { اقتربت } أي دنت وقربت وفي { اقتربت } مبالغة، كما أن فى (اقتدر) مبالغة على القدرة، لأن اصل (افتعل) طلب اعداد المعنى بالمبالغة نحو (اشتوى) إذا أتخذ شوى فى المبالغة فى اتخاذه، وكذلك (اتخذ) من (اخذ). والساعة القيامة. وقال الطبري: تقديره اقتربت الساعة التي يكون فيها القيامة. وجعل الله تعالى من علامات دنوها انشقاق القمر المذكور معها، وفى الآية تقديم وتأخير، وتقديره انشق القمر واقتربت الساعة. ومن أنكر إنشقاق القمر وأنه كان، وحمل الآية على كونه في ما بعد - كالحسن البصري وغيره، واختارة البلخي - فقد ترك ظاهر القرآن، لأن قوله "انشق" يفيد الماضي، وحمله على الاستقبال مجاز. وقد روى إنشقاق القمر عبد الله بن مسعود وانس ابن مالك وابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم ومجاهد وإبراهيم، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعتد بخلاف من خالف فيه لشذوذه، لان القول به أشتهر بين الصحابه فلم ينكره أحد، فدل على صحته، وأنهم اجمعوا عليه فخلاف من خالف فى ما بعد لا يلتفف اليه. ومن طعن فى إنشقاق القمر بأنه لو كان لم يخف على أهل الافطار فقد أبعد لانه يجوز ان يحجبه الله عنهم بغيم، ولأنه كان ليلاً فيجوز ان يكون الناس كانوا نياماً فلم يعلموا به، لأنه لم يستمر لزمان طويل بل رجع فالتأم فى الحال، فالمعجزة تمت بذلك.
وقوله { وإن يروا آية } احتمل ان يكون اخباراً من الله تعالى عن عناد كفار قريش بأنهم متى رأوا معجزة باهرة وحجة واضحة أعرضوا عن تأملها والانقياد لصحتها عناداً وحسداً، وقالوا هو { سحر مستمر } أي يشبه بعضه بعضاً. وقيل { سحر مستمر } من الأرض إلى السماء. وقال مجاهد وقتادة معناه ذاهب مضمحل وقال قوم: معناه شديد من أمرار الحبل، وهو شده فتله.
وقوله { وكذبوا } يعني بالآية التي شاهدوها ولم يعترفوا بصحتها ولا تصديق من ظهرت على يده { واتبعوا } فى ذلك { أهواءهم } يعني ما تميل طبائعهم اليه، فالهوى رقة القلب بميل الطباع كرقة هواء الجو، تقول: هوى هوي هواً، فهو هاو إذا مال طبعه إلى الشيء، وهو هوى النفس مقصور، فأما هواء الجو فممدود ويجمع على أهوية. وهوى يهوي إذا انحدر في الهواء، والمصدر الهوى. والاسم الهاوي.
وقوله { وكل أمر مستقر } معناه كل أمر من خير او شر مستقر ثابت حتى يجازى به إما الجنة او النار - ذكره قتادة - ثم قال { ولقد جاءهم } يعني هؤلاء الكفار { من الأنباء } يعني الاخبار العظيمة بكفر من تقدم من الامم وإهلاكنا إياهم التي يتعظ بها { ما فيه مزدجر } يعني متعظ، وهو مفتعل من الزجر إلا ان التاء ابدلت دالا لتوافق الراء بالجهر مع الدال لتعديل الحروف فيتلاءم ولا يتنافر.
وقوله { حكمة بالغة } معناه نهاية فى الصواب، وغاية في الزجر بهؤلاء الكفار وقوله { فما تغنى النذر } يجوز فى (ما) وجهان:
احدهما - الجحد، ويكون التقدير: لا يغني التخويف.
والثاني - ان تكون بمعنى (أي) وتقديره أى شيء يغني الانذار. والنذر جمع نذير. وقال الجبائي: معناه إن الانبياء الذين بعثوا اليهم لا يغنون عنهم شيئاً من عذاب الآخرة الذى استحقوه بكفرهم، لانهم خالفوهم ولم يقبلوا منهم.