التفاسير

< >
عرض

فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ
٦
خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ
٧
مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ
٨
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ
٩
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ
١٠
-القمر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ { خشعاً } على الجمع أهل العراق إلا عاصما، الباقون { خاشعا } على وزن (فاعل) ونصبوه على الحال. ومن قرأ { خاشعاً } بلفظ الواحد، فلتقدم الفعل على الفاعل. وقرأ ابن كثير وحده (نكر) بسكون الكاف. الباقون بالتثقيل وهما لغتان. وقال ابو علي النحوي: النكر أحد الحروف التي جاءت على (فعل، وفعل) وهو صفة. وعلى ذلك حمله سيبويه وأستشهد بالآية. ومثله ناقة أحد ومشية سجح. ومن خفف جعله مثل رسل رسل وكتب وكتب، والضمة فى تقدير الثبات.
لما حكى الله تعالى عن الكفار أنه ليس ينفع فى وعظهم وزجرهم الحكمة البالغة، ولا يغني النذر أمر النبي بالاعراض عنهم وترك مقابلتهم على سفههم. فقال { فتولى عنهم } أي اعرض عنهم { يوم يدع الداعي إلى شيء نكر } قيل فى معناه أقوال:
احدها - قال الحسن فتولى عنهم إلى يوم يدعو الداعي.
والثاني - فتول عنهم وأذكر يوم يدع الداعي إلى شيء نكر، يعني لم يروا مثله قط فينكرونه استعظاماً له.
الثالث - ان المعنى فتول عنهم، فانهم يرون ما ينزل بهم من العذاب يوم يدعو الداعي وهو يوم القيامة، فحذف الفاء من جواب الامر. والداعي هو الذي يطلب من غيره فعلا. ونقيضه الصارف، وهو الطالب من غيره أن لا يفعل بمنزلة الناطق بأن لا يفعل، تقول: دعا يدعو دعاء فهو داع وذاك مدعو. والنكر: هو الذي تأباه من جهة نفور الطبع، وهو صفة على وزن فعل، ونظيره رجل جنب وارض جرز، وهو من الانكار نقيض الاقرار، لان النفس لا تقر بقبوله، وإنما وصف بأنه نكر لغلظه على النفس، وإنهم لم يروا مثله شدة وهؤلاء كأنهم ينكرونه لما قبح في عقولهم.
وقوله { خاشعا أبصارهم } فمعنى الخاشع الخاضع، خشع يخشع خشوعاً، فهو خاشع، والجمع خشع، ويخشع الرجل إذا نسك، وخاشعاً حال مقدمة. والعامل فيها { يخرجون } وقيل { خاشعاً أبصارهم } لتقدم الصفة على الاسم، كما قال الشاعر:

وشباب حسن أوجههم من اياد بن نزار بن معد

وقال آخر:

ترى الفجاج بها الركبان معترضا أعناق أبزلها مرخى لها الجدل

والجديل هو الزمام، ولم يقل مرخيات ولا معترضات { يخرجون من الأجداث } يعني من القبور واجدها جدث وحدف أيضاً لغة، واللحد جانب القبر وأصله الميل عن الاستواء { كأنهم جراد منتشر } أي من جراد منتشر من كثرتهم
وقوله { مهطعين إلى الداعي } قال الفراء وابو عبيدة: مسرعين. وقال قتادة: معناه عامدين بالاهطاع والاهطاع الاسراع فى المشي، يقال: اهطع يهطع إهطاعاً، فهو مهطع، فهؤلاء الكفار يهطعون إلى الداعي بالالجاء والاكراه والاذلال ووصفت الابصار بالخشوع، لان ذلة الذليل وعزة العزيز تتبين فى نظره { يقول الكافرون هذا يوم عسر } حكاية ما يقوله الكفار يوم القيامة بأنه يوم عسر شديد عليهم
ثم قال مثل ما كذبك يا محمد هؤلاء الكفار وجحدوا نبوتك { كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا } يعني نوحاً عليه السلام { وقالوا مجنون } أي هو مجنون قد غطي على عقله فزال بآفة تعتريه { وازدجر } قال ابن زيد: معناه زجر بالشتم والرمي بالقبيح. وقال غيره: ازدجر بالوعيد، لانهم توعدوه بالقتل في قوله
{ { لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين } { فدعا } عند ذلك { ربه } فقال يا رب { أني مغلوب } قد غلبني هؤلاء الكفار بالقهر لا بالحجة { فانتصر } منهم بالاهلاك والدمار نصرة لدينك ونبيك. وقال مجاهد: معنى (ازدجر) استطار واستفز جنوناً.