التفاسير

< >
عرض

يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ
٢٢
فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٣
وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ
٢٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٥
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ
٢٦
وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ
٢٧
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٢٨
يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
٢٩
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٠
-الرحمن

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ { المنشئآت } بالكسر حمزة، ويحيى وقرأ { يخرج } بفتح الياء أهل الكوفة، وابن كثير وابن عامر أسندوا الفعل إلى اللؤلؤ والمرجان. الباقون، على ما لم يسم فاعله. وإنما أجازوا اسناد الفعل إلى الجوار واللؤلؤ والمرجان، كما قالوا مات زيد ومرض عمرو وما أشبه ذلك في ما يضاف الفعل اليه إذا وجد منه. وإن كان في الحقيقة لغيره، وكان المعنى المنشئات السير فحذف المفعول وأضاف السير اليه إتساعاً، لان سيرها إنما يكون بهبوب الريح. وقال الزجاج: من فتح الشين أراد المرفوعات الشرع، وبالكسر الحاملات الرافعات الشرع.
لما ذكر الله تعالى النعمة على الخلق بمرج البحرين اللذين يلتقيان، وإنهما مع ذلك لا يبغيان، بين أيضاً ما فيهما من النعمة، فقال يخرج منهما يعني من البحرين اللؤلؤ والمرجان. فاللؤلؤ معروف، ويقع على الصغار والكبار. والمرجان ضرب من الجوهر كالقضبان يخرج من البحر. وقال ابن عباس: اللؤلؤ كبار الدر والمرجان صغاره. وبه قال الحسن وقتادة والضحاك، وسمي المرجان بذلك لأنه حب من الجوهر كبير مختلط به مرجت أي خلطت. وإنما جاز أن يقول يخرج منهما، وهو يخرج من الملح دون العذب، لان العذب والملح يلتقيان فيكون العذب كاللقاح للملح، كما يقال يخرج الولد من الذكر والانثى، وإنما تلده الانثى. وقال قوم: لا يخرج اللؤلؤ إلا من الموضع الذي يلتقي فيه العذب والملح، وذلك معروف عند الغواصين. وقال الزجاج: لانه إذا أخرجه من أحدهما فقد أخرجه من الآخر، لانه داخل فيهما وقال ابن عباس: إذا جاء القطر من السماء تفتحت الاصداف فكان من ذلك القطر اللؤلؤ. وقال قوم المعنى من جهتهما ولا يجب إنه من كل واحد منهما، والأول وجه التأويل.
وقوله { وله الجوار المنشآت } والجوار جمع جارية وهي السفينة لانها تجري في الماء بأمر الله تعالى. والجارية المرأة الشابة، لأنه يجري فيها ماء الشباب، والمنشئآت المبتدآت للسير برفع القلاع. وقال مجاهد: ما رفع له القلاع، فهو منشأ وما لم يرفع قلاعه فليس بمنشأ، فجعل الانشاء برفع القلاع. والاعلام الجبال واحدها علم سمي بذلك لارتفاعه كارتفاع الاعلام المعروفة. وقال جرير:

إذا قطعن علماً بعد علم حتى تناهين بنا إلى حكم

وقيل كالاعلام في العظم. وقوله { كل من عليها فان } إخبار من الله تعالى أن جميع من على وجه الارض من العقلاء يفنون ويخرجون من الوجود إلى العدم. وإذا ثبت ذلك وكانت الجواهر لا تفنى إلا بفناء يضادها على الوجود، فاذا وجد الفناء انتفت الجواهر كلها، لانها إختصاص له بجوهر دون جوهر، فالآية دالة على عدم جميع الاجسام على ما قلناه، لانه إذا ثبت عدم العقلاء بالآية ثبت عدم غيرهم، لانه لا يفرق من الأمة أحد بين الموضعين.
وقوله { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } معناه ويبقى ربك الظاهر بأدلته كظهور الانسان بوجهه فالوجه يذكر على وجهين:
احدهما - بعض الشيء كوجه الانسان.
الثاني - بمعنى الشيء المعظم في الذكر كقولهم: هذا وجه الرأى، وهذا وجه التدبير أي هو التدبير، وهو الرأي. والاكرام والاعظام بالاحسان، فالله تعالى يستحق الاعظام بالاحسان الذي هو في أعلى مراتب الاحسان. ومعنى ذو الجلال ذو العظمة بالاحسان.
وقوله { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } معناه يسأل الله تعالى من في السموات والارض من العقلاء حوائجهم، ويضرعون اليه. ثم قال { كل يوم هو في شأن } فالشان معنى له عظم، وكذلك قال كل يوم هو في شان، ويقال: لا يشغله شأن عن شأن. والمعنى إن كل يوم الله تعالى في شأن من احياء قوم وإماتة آخرين، وعافية قوم ومرض غيرهم، ونجاة واهلاك ورزق وحرمان وغير ذلك من الامور والنعمة. وقوله { كل من عليها فان } فى التسوية بين الخلق في الفناء { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد فسرناه.