التفاسير

< >
عرض

وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ
٤٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٧
ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ
٤٨
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٤٩
فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ
٥٠
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥١
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ
٥٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٣
مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ
٥٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٥
-الرحمن

التبيان الجامع لعلوم القرآن

لما وصف الله تعالى ما أعد للكفار من أنواع العذاب، بين بعد ذلك ما أعد للمؤمنين والمتقين، فقال { ولمن خاف مقام ربه جنتان } والمعنى ولمن خاف المقام الذي يقفه فيه ربه للمسائلة عما عمل في ما يجب عليه مما أمره به أو نهاه عنه، فيكفه ذلك عما يدعوه هواه اليه يصبر صبر مؤثر للهدى على طريق الردى. والمقام الموضع الذي يصلح للقيام فيه وبضم الميم الموضع الذي يصلح للاقامة فيه. والجنتان اللتان وعد الله من وصفه بهما قيل هما جنتان: إحداهما داخل قصره والأخرى خارج قصره على ما طبع الله تعالى العباد عليه من شهوة ذلك وجلالته فشوقوا إلى ما في طباعهم شهوة مثله.
ثم وصف الجنتين فقال { ذواتا أفنان } والافنان جمع (فن) وهو الغصن الفصن الورق، ومنه قولهم: له فنون، وهذا فن آخر أي نوع آخر أي ضرب آخر، وفيه فنون أي ضروب مختلفة، ويجوز أن يكون جمع فن. وقال ابن عباس: معناه ذواتا ألوان. وقال عكرمة. ظل الاغصان على الحيطان. وقال الضحاك: ذواتا ألوان يفضل بها على ما سواها { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد بيناه.
وقوله { فيهما عينان تجريان } اخبار منه تعالى أن فى الجنتين اللتتين وعدتهما المؤمنين عينين من الماء تجريان بين أشجارها، فالجاري هو الذاهب ذهاب الماء المنحدر، فكل ذاهب على هذه الصفة فهو جار، وصفت بالعين لصفائها أو بأنها جارية لأنه أمتنع لها { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد فسرناه.
وقوله { فيهما من كل فاكهة زوجان } معناه إن فى تلك الجنتين من كل ثمرة نوعين وضربين متشاكلين كتشاكل الذكر والانثى، فلذلك سماهما (زوجين) وذلك بالرطب واليابس من العنب والزبيب والتين والرطب واليابس، فكذلك سائر الأنواع لا يقصر يابسه عن رطبه فى الفصل والطيب إلا أنه امتنع وأعذب بأن يكون على هذا المنهاج. وقيل: فيهما من كل نوع من الفواكه ضربان ضرب معروف وضرب من شكله غريب، وكل ذلك للاطراف والامتاع { فبأي آلاء ربكما تكذبان. متكئين على فرش بطائنها من إستبرق } فالاتكاء الاستناد للتكرمة والامتناع والمتكى هو ما يطرح للانسان فى مجالس الملوك للاكرام والاجلال إتكا يتكي إتكاءاً، فهو متكي، ومنه وكاة السقاء إذا شددته، ومنه قوله صلى الله عليه وآله
"العين وكاء الجسد" والاتكاء شدة التقوية للاكرام والامتاع. وهو نصب على الحال { على فرش } وهو جمع فراش وهو الموطأ الممهد للنوم عليه بطائنها، وهو جمع بطانة وهي باطن الظهار، فالبطانة من اسفله والظاهرة من أعلاه.
وقوله { وجنا الجنتين دان } فالجنى الثمرة التي قد أدركت فى الشجرة وصلح أن تحبى غضه قال الشاعر:

هذا جناي وضياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه

والاستبرق الغليظ من الديباج - فى قول عكرمة وابن اسحاق - وقيل: ان ثمارها دانية لا يرد يده عنها بعد، ولا شوك - فى قول قتادة - وقيل: الظواهر من سندس وهو الديباج الرقيق، والبطاين من أستبرق وهو الديباج الغليظ. وقيل: الاستبرق المتاع الصيني من الحرير، وهو بين الغليظ والرقيق. وقال الفراء: الاستبرق غليظ الديباج. وقوله { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد تكرر تفسيره.