التفاسير

< >
عرض

فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ
٥٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٧
كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ
٥٨
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٥٩
هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ
٦٠
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦١
وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ
٦٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٣
مُدْهَآمَّتَانِ
٦٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٥
-الرحمن

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ الكسائي { لم يطمثهن } بكسر إحداهما وضم الأخرى الباقون بكسرهما وهما لغتان، يقال: طمثت المرأة تطمث وتطمثت إذا حاضت. قال الزجاج وغيره: في الآية دلالة على أن الجن تنكح. وقال الفراء: لم ينكحهن إنس ولا جان نكاح تدمية أي لم يقتضهن، والطمث الدم. والضهير فى قوله { فيهن قاصرات الطرف } عائد على الفرش التي بطائنها من استبرق، لأنه قد تقدم ذكره، وكان أولى بالعود عليه، ولو لم يتقدم هذا الذكر لجاز أن يرجع إلى الجنان وإلى الجنتين المذكورتين وغيرهما من الجنان لانه معلوم، لكن المذكور أولى، لأن اقتضاءه له أشد، والقاصر المانع من ذهاب الشيء إلى جهة من الجهات، فالحور قاصرات الطرف عن غير أزواجهن إلى أزواجهن. والطرف جفن العين، لأنه طرف لها، فيطبق عليها تارة وينفتح تارة، ومنه الاطراف بالأمر لانه كالطرف الذي يليك بحدوثه لك. وقوله { لم يطمثهن } قيل فى معناه قولان:
أحدهما - قال مجاهد وابن زيد وعكرمة: لم يمسسهن بجماع من قولهم: ما طمث هذا البعير جمل قط أي ما مسه جمل.
الثاني - قال ابن عباس: لم يدمهن بنكاح من قولهم: امرأة طامث أي حائض كأنه قال هن أبكار لم يقتضهن أحد قبلهم. والأصل المس، كأنه ما مسها دم الحيض. وقيل: إنما نفى الجان، لأن للمؤمنين منهم لهم أزواجاً من الحور، وهو قول ضمرة بن حبيب، قال البلخي: المعنى إن ما يهب الله لمؤمني الجن من الحور العين لم يطمثهن جان، وما يهب الله لمؤمني الانس لم يطمثهن إنس قبلهم، على أن هذا مبالغة. وقال ضمرة بن حبيب فى: الآية دلالة على أن للجن ثواباً فالانسيات للانس والجنيات للجن { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد مضى تفسيره.
وقوله { كأنهن الياقوت والمرجان } قال الحسن: هن على صفاء الياقوت فى بياض المرجان. وقيل: كالياقوت فى الحسن والصفاء والنور. وقال الحسن: المرجان أشد اللؤلؤ بياضياً وهو صغاره { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد بيناه.
وقوله { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } معناه ليس جزاء من فعل الاعمال الحسنة وأنعم على غيره إلا أن ينعم عليه بالثواب ويحسن اليه { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد مضى بيانه.
وقوله { ومن دونهما جنتان } معناه إن من دون الجنتين اللتين ذكرنا { لمن خاف مقام ربه } جنتين أخرتين دون الأولتين، وإنهما أقرب إلى قصره ومجالسه فى قصره ليتضاعف له السرور بالتنقل من جنة إلى جنة على ما هو معروف فى طبع البشرية من شهوة مثل ذلك. ومعنى (دون) مكان قريب من الشيء بالاضافة إلى غيره، مما ليس له مثل قربه، وهو ظرف مكان، وإنما كان التنقل من جهة إلى جهة أنفع، لأنه أبعد من الملل على ما طبع عليه البشر، لأن من الاشياء ما لا يمل لغلبة محبته على النفس بالأمر اللازم، ومنها ما يمل لتطلع النفس إلى غيره، ثم الرجوع اليه.
وقوله { مدهامتان } معناه خضراوتان تضرب خضرتهما إلى السواد من الري على أتم ما يكون من الحسن، لأن الله شوق اليهما ووعد المطيعين فى خوف مقامه بها، فناهيك بحسن صفتهما وما يقتضيه ذكرهما فى موضعهما. وقال ابن عباس وابن الزبير وعطية وأبو صالح وقتادة: هما خضراوان من الري. وقال قوم: الجنان الأربع { لمن خاف مقام ربه } ذهب اليه ابن عباس: وقال الحسن: إلا وليان للسابقين والأخيرتان للتابعين.