التفاسير

< >
عرض

فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ
٦٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٧
فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ
٦٨
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٦٩
فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ
٧٠
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٧١
حُورٌ مَّقْصُورَاتٌ فِي ٱلْخِيَامِ
٧٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٧٣
لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَآنٌّ
٧٤
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٧٥
مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ
٧٦
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٧٧
تَبَارَكَ ٱسْمُ رَبِّكَ ذِي ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ
٧٨
-الرحمن

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل الشام { ذو الجلال } على الرفع، على أنه نعت لـ { اسم }. الباقون - بالخفض - على أنه نعت لـ { ربك }.
وقوله { فيهما } يعني الجنتين اللتين وصفهما بأنهما { مدهامتان } { عينان نضاختان } فعين الماء المكان الذي ينبع منه الماء، ومعنى { نضاختان } فوارتان بالماء. وقيل: نضاختان بكل خير. والنضخ - بالخاء - أكثر من النضح - بالحاء - لأن النضح غير المعجمة الرش وبالخاء كالبرك والفوارة التي ترمى بالماء صعداء، نضخ ينضخ نضخاً فهو ناضخ. وفى نضاخة مبالغة، ووجه الحكمة فى العين النضاخة أن النفس إذا رأت الماء يفور كان أمتع، وذلك على ما جرت به العادة { فبأي آلاء ربكما تكذبان }.
وقوله { فيهما فاكهة ونخل ورمان } أخبار منه تعالى أن فى الجنتين المتقدم وصفهما { فاكهة } وهي الثمار { ونخل ورمان } وإنما افرد ذكر النخل والرمان من الفاكهة، وإن كان من جملتها تنبيهاً على فضلهما وجلالة النعمة بهما، كما أفرد ذكر جبرائيل وميكائيل فى قوله
{ { من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين } وقال قوم: ليسا من الفاكهة بدلا الآية. وليس له في ذلك حجة، لاحتمال ما قلناه. قال يونس النحوي: النخل والرمان من أفضل الفاكهة، وإنما فضلا لفضلهما، والنخل شجر الرطب والتمر. والرمان مشتق من رم يرم رماً، لان من شأنه أن يرم الفؤاد بجلائه له { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد مضى بيانه.
وقوله { فيهن خيرات حسان } قال ابو عبيدة: إمرأة خيرة ورجل خير، والجمع خيرات. والرجال أخيار قال الشاعر:

ولقد طعنت مجامع الربلات ربلات هند خيرة الملكات

وقال الزجاج: أصل (خيرات) خيرّات، وخفف. وفى الخبر المرفوع إن المعنى (خيرات الأخلاق حسان الوجوه) وإنما قيل للمرأة فى الجنة: خيرة، لانها مما ينبغي أن تختار لفضلها فى أخلاقها وأفعالها، وهي مع ذلك حسنة الصورة، فقد جمعت الأحوال التي تجل بها النعمة { فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد بينا معناه.
وقوله { حور مقصورات في الخيام } فالحور البيض الحسان البياض، ومنه الدقيق الحواري لشدة بياضه، والعين الحورا اذا كانت شديدة بياض البياض، وشديدة سواد، السواد، وبذلك يتم حسن العين. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد: الحور: البيض. وقوله { مقصورات } أي قصرن على أزواجهن، فلا يردن بدلا منهم - فى قول مجاهد والربيع - وقيل: معناه محبوسات فى الحجال - في قول ابن عباس وأبي العالية ومحمد بن كعب والضحاك والحسن، وعلى وجه الصيانة لهن والتكرمة لهن عن البذلة. وقال ابو عبيدة: مقصورات أي مخدرات و (الخيام) جمع خيمة وهو بيت من الثياب على الأعمدة، والاوتاد مما يتخذ للاصحار، فاذا اصحر هؤلاء الحور، كانت لهن الخيام في تلك الحال وغيرها مما ينفى الابتذال. وقال الزجاج: يقال للهوارج الخيام وقال عبد الله: الخيام دّر مجوف على هيئة البيت وقال ابن عباس: بيوت اللؤلؤ. وقيل: الخيمة درة مجوفة فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب { فبأى آلاء ربكما تكذبان } قد مضى بيانه.
وقوله { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان } قد مضى تفسيره. قال البلخي في الآية دلالة على قول الحسن البصري: أن الحور العين هو أزواجهم في الدنيا إذا كن مؤمنات مطيعات لان الله قال { لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان } وقال: من نصر الحسن أن المراد لم يطمثهن بعد النشأة الثانية إنس قبلهم ولا جان. وإنما كرر قوله { لم يطمثهن } في الآية للبيان على أن صفة الحور المقصورات في الخيام كصفة القاصرات الطرف مع تمكين التشويق بهذه الحال الجليلة التي رغب فيها كل نفس سليمة.
وقوله { متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان } { متكئين } نصب على الحال، وقد فسرنا معناه. والرفارف جمع رفرف، وهي المجالس - في قول ابن عباس وقتادة والضحاك - وقيل: الرفرف هي فصول المجالس للفرش. وقال الحسن: هي المرافق، وقيل: الرفارف الوسائد. وقيل: الرفرفة الروضة. وأصله من رف النبت يرف إذا صاد غضاً نضراً. وقيل: لما في الأطراف رفرف، لانه كالنبت الغض الذي يرف من غضاضته. والخضر جمع أخضر (والعبقري) الزرابي - في قول ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة - وهي الطنافس. وقال مجاهد: هو الديباج: وقال الحسن: هو البسط. وقيل (عبقر) اسم بلد ينسج به ضروب من الوشي الحسن، قال زهير:

بخيل عليها جبة عبقرية جديرون يوماً ان يبالوا ويستعلوا

وقيل: الموشى من الديباج عبقري تشبيهاً بذلك، ومن قرأ { عباقري } فقط غلط لانه لا يكون بعد الف الجمع أربعة احرف ولا ثلاثة إلا أن يكون الثاني حرف لين نحو (قناديل).
وقوله { تبارك اسم ربك } معناه تعاظم وتعالى إسم ربك، لانه يستحق أن يوصف بما لا يوصف به أحد من كونه قديماً وإلهاً، وقادراً لنفسه وعالماً حياً لنفسه وغير ذلك.
وقوله { ذي الجلال والإكرام } خفض، لانه بدل من قوله { ربك } ومعنى الجلال العظمة والاكرام الاعظام بالاحسان والانعام. وقال الحسن: الاكرام الذي يكرم به أهل دينه وولايته. ومن قرأ { ذو الجلال } بالرفع أراد ان اسم الله فيه البركة، وإذا قرىء بالخفض دل على أن اسم الله غير الله، لأنه لو كان اسمه هو الله لجرى مجرى ذكر وجهه إلا ترى أنه لما قال { ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } ورفعه، لأنه أراد الله تعالى وها هنا بخلافه.