التفاسير

< >
عرض

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
١٧
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
١٨
لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ
١٩
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ
٢٠
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢١
وَحُورٌ عِينٌ
٢٢
كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ
٢٣
جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً
٢٥
إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً
٢٦
-الواقعة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

عشر آيات كوفى ومدني الأخير، وتسع فيما عداه، عد المكي واسماعيل { وأباريق } ولم يعده الباقون. وعد المدني والكوفى { وحور عين } ولم يعده الباقون.
قرأ ابو جعفر وأهل الكوفة إلا عاصماً وخلفاً { وحور عين } خفضاً. الباقون بالرفع. فمن رفع حمله على: ولهم حور عين. واختاروا الرفع لأن الحور العين لا يطاف بهن، وإنما يطاف بالكأس، وعلى هذا يلزم أن يقرأ { وفاكهة } رفعاً وكذلك { ولحم طير } بالرفع لانهما لا يطاف بهما، فما اعتذروا في ذلك فهو عذر من قرأ بالخفض. ومن خفض عطف على الاول لتشاكل الكلام من غير اخلال بالمعنى إذ هو مفهوم. وقال الزجاج: ويكون تقديره ينعمون بكذا وحور عين. وقال ابو على تقديره وفي مجاورة حور عين أو معانقة حور عين، لأن الكلام الاول يدل عليه وقال الشاعر:

اذا ما الغانيات برزن يوماً وزججن الحواجب والعيونا

والمعنى وكحلن العيون فرده على قوله (وزججن) ومثله:

(متقلداً سيفاً ورمحاً)

اي وحاملا رمحاً. وكان يجوز النصب على تقدير ويعطون حوراً عيناً كما قال الشاعر:

جئني بمثل بني بدر لقومهم او مثل اخوة منظور بن سيار

لما كان معنى جئني هات عطف او مثل على المعنى وقال الحسن الحور البيض. وقال مجاهد يحار فيهن البصر.
لما ذكر الله تعالى ان السابقين إلى الخيرات والطاعات هم المقربون إلى نعيم الجنة وثوابها، فانهم على سرر موضونة متقابلين، اخبر انه { يطوف عليهم ولدان } يعني صبيان { مخلدون } فالطوف الزور بالتنقل في المكان، ومنه الطائف الذي يطوف بالبلد على وجه الحرس. والولدان جمع وليد. ومخلدون قال مجاهد معناه باقون لهم لا يموتون. وقال الحسن: معناه انهم على حالة واحد لا يهرمون، يقال: رجل مخلد اي باق زماناً أسود اللحية لا يشيب وقال الفراء: معناه مقرطون والخلد القرط. والاكواب جمع كوب وهي اباريق واسعة الرؤوس بلا خراطيم - فى قول قتادة - قال الاعشى:

صليفية طيباً طعمها لها زبد بين كوب ودن

والاباريق التي لها عرى وخراطيم واحدها إبريق و { كأس من معين } اي يطوفون عليهم ايضاً بكأس من خمر معين ظاهر للعيون جار { لا يصدعون عنها } اي لا يلحقهم الصداع من شربها { ولا ينزفون } اي لا تنزف عقولهم بمعنى لا تذهب بالسكر - فى قول مجاهد وقتادة والضحاك - ومن قرأ { ينزفون } بالكسر، وهو حمزة والكسائي وخلف، حمله على أنه لا تفنى خمرهم قال الأبرد:

لعمري لئن أنزفتم او صحوتم لبئس الندامى كنتم آل أبجرا

وقوله { وفاكهة مما يتخيرون } أي ويطاف عليهم بفاكهة مما يختارونه ومما يشتهونه، وينعمون بفاكهة مما يشتهونه. وقوله { ولحم طير مما يشتهون } أي ويطاف عليهم او ينعمون بلحم طير مما يشتهون. وقوله { وحور عين } من رفعه حمله على معنى ولهم فيها حور عين، لانهن لا يطاف بهن وإنما يطاف بالكأس. ومن جر فعلى معنى وينعمون بحور عين او يحصلون فى معانقة حور عين. والحور جمع حوراء والحور نقاء البياض من كل شائب يجري مجرى الوسخ. وقوله { كأمثال اللؤلؤ } أي مثل هؤلاء الحور فى البياض والنقاء مثل اللؤلؤ { المكنون } يعني الدر المصون عما يلحق به من دنس كأنه مأخوذ من أن الدرة تبقى على حسنها اكثر مما يبقى غيرها لطبعها وصيانة الناس لها قال عمر بن أبي ربيعة:

وهي زهراء مثل لؤلؤ الغواص ميزت من جوهر مكنون

{ جزاء } أي يفعل ذلك بهم جزاء ومكافأة على ما عملوه فى دار الدنيا من الطاعات وأجتناب المعاصي ثم قال { لا يسمعون فيها لغواً } أي لا يسمع المثابون في الجنة لغواً يعنى ما لا فائدة فيه من الكلام، لأن كل ما يتكلمون به فيه فائدة { ولا تأثيما } ولا يجري فيها ما يؤثم فيه قائله من قبيح القول { إلا قيلا سلاما سلاما } يعني لكن يسمعون قول بعضهم لبعض على وجه التحية { سلاما سلاماً } إنهم يتداعون بالسلام على حسن الآداب وكريم الأخلاق الذي يوجب التواد، لان طباعهم قد هذبت على أتم الكمال. ونصب (سلاماً) على تقدير سلمك الله سلاماً بدوام النعمة وحال الغبطة، وجاز ان يعمل فيه سلام، لانه يدل عليه، كما يدل على قوله { والله أنبتكم من الأرض نباتاً } ويصلح أن يكون سلاماً نعتاً لقوله { قيلا } ويصلح أن ينتصب بـ (قيل) فالوجوه الثلاثة محتملة. وقيل { إلا قيلا سلاماً سلاماً } أي قولا يؤدي إلى السلامة.