التفاسير

< >
عرض

وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ
٢٧
فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ
٢٨
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
٢٩
وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ
٣٠
وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
٣١
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
٣٢
لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ
٣٣
وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ
٣٤
إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً
٣٥
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً
٣٦
عُرُباً أَتْرَاباً
٣٧
لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٣٨
ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
٣٩
وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
٤٠
-الواقعة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أربع عشرة آية كوفى وعدد اسماعيل وبصري، وخمس عشرة آية فيما عداه عد المدني والمكي والبصري { وأصحاب اليمين } ولم يعده الباقون. وعد المدنيان والمكي والكوفى والشامي "انشاء" ولم يعده الباقون.
قرأ اسماعيل وحمزة وخلف ويحيى { عرباً } مخففة. الباقون مثقلة، وهما لغتان. وروي عن علي عليه السلام انه قرأ { وطلع منضود } بالعين. والقراء على الحاء وقال علي عليه السلام: هو كقوله
{ { ونخل طلعها هضيم } وقال كالمتعجب: وما هو شأن الطلع؟! فقيل: له ألا تغيره؟ قال: القرآن لا يهاج اليوم ولا يحول.
وقوله { وأصحاب اليمين } قيل فى معناه ثلاثة أقوال:
أولها - الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم.
الثاني - الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة.
الثالث - اصحاب اليمين والبركة. وقوله { ما أصحاب اليمين } معنا ومعنى { ما أصحاب الميمنة } سواء وقد فسرناه.
وقوله { في سدر مخضود } فالسدر شجر النبق، والمخضود هو الذي لا شوك فيه وخضد بكثرة جملته وذهاب شوكه - فى قول ابن عباس وعكرمة وقتادة ومجاهد والضحاك - وأصل الخضد عطف العود اللين. فمن ها هنا قيل: لا شوك فيه، لان الغالب على الرطب اللين أنه لا شوك له.
وقوله { وطلح منضود } قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة وابن زيد: الطلح شجر الموز. وقال ابو عبيدة: الطلح كل شجر عظيم كثير الشوك، وقال الحارثي:

بشرها دليلها وقالا غداً ترين الطلح والجبالا

وقال الزجاج: الطلح شجر أم غيلان. وقد يكون على أحسن حال، والمنضود هو الذي نضد بعضه على بعض من الموز - ذكره ابن عباس - وهو من نضدت المتاع إذا عبيت بعضه على بعض. قيل: فقنوا الموز منضود بعضه على بعض { وظل ممدود } معناه دائم لا تنسخه الشمس قال لبيد:

غلب البقاء وكنت غير مغلب دهر طويل دائم ممدود

وروي في الخبر أن "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة" .
وقوله { وماء مسكوب } أي مصبوب على الخمر يشرب بالمزاج. وقال قوم: يعني مصبوب يشرب على ما يرى من حسنه وصفائه، ولا يحتاجون إلى تعب في استقائه.
وقوله { وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة } أي وثمار مختلفة كثيرة غير قليلة. وقيل الوجه في تكرار ذكر الفاكهة البيان عن اختلاف صفاتها فذكرت اولا بأنها مما يتخيرون، وذكرت - هٰهنا - بأنها كثيرة وبأنها لا مقطوعة ولا ممنوعة. ومعناه لا مقطوعة كما تنقطع فواكه الدنيا في الشتاء في اوقات مخصوصة، ولا ممنوع بتعذر تناول او شوك يؤذي كما يكون ذلك في الدنيا.
وقوله { وفرش مرفوعة } أي عالية يقال: بناء مرفوع أي عال. وقيل: معناه ونساء مرتفعات القدر فى عقولهن وحسنهن وكمالهن. وقال الحسن: فرش مرفوعة بعضها فوق بعض، والفرش المهاد المهيأ للاضطجاع، فرش يفرش فرشاً فهو فارش والشيء مفروش، ومنه قوله { الذي جعل لكم الأرض فراشاً } لانها تصلح للاستقرار عليها.
وقوله { إنا أنشأناهن إنشاء } معناه إن اخترعنا أزواجهم اختراعاً، وهذا يقوي قول من حمل الفرش على النساء. وقيل: المعنى انا أنشأناهن من البنية { فجعلناهن أبكاراً } والبكر التي لم يفتضها الرجل، ولم تفتض وهي على خلقتها الأولى من حال الانشاء. واصله الأول، ومنه بكرة أول النهار. والابتكار عمل الشيء اولا. والباكورة أول ما يأتي من الفاكهة. والبكر من الابل الفتى فى اول أمره وحداثة سنه. وقال الضحاك: ابكاراً عذارى. وفى الخبر المرفوع
"انهن كن عجائز رمضا فى الدنيا" .
وقوله { عرباً أتراباً } فالعرب العواشق لأزواجهن المنجبات اليهم - فى قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة - وقال لبيد:

وفى الحدوج عروب غير فاحشة رّيا الروادف يعشى دونها البصر

والعرب جمع عروب على وزن (رسول، ورسل) وهي اللعوب مع زوجها انساً به راغبة فيه، كأنس العربي بكلام العرب، فكأن لها فطنة العرب وإلفهم وعهدهم. والاتراب جمع ترب وهو الوليدة التي تنشأ مع مثلها فى حال الصبى، وهو مأخوذ من لعب الصبيان بالتراب أي هم كالصبيان الذين على سن واحد. قال عمر ابن ابي ربيعة:

ابرزوها مثل المهاة تهادي بين عشر كواعب أتراب

وقال ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك: الاتراب المستويات على سن واحد. وقوله { لأصحاب اليمين } أي جميع ما تقدم ذكره لهم جزاء وثواباً على طاعاتهم. وقوله { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } فالثلة القطعة من الجماعة، فكأنه قال جماعة من الأولين وجماعة من الآخرين. وإذا ذكر بالتنكير كان على معنى البعض من الجملة، كما تقول رجال من جملة الرجال. وفائدة الآية أنه ليس هذا لجميع الأولين والآخرين. وإنما هو لجماعة منهم. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال "إني لأرجو ان تكون أمتي شطر أهل الجنة" ثم تلا قوله { ثلة من الأولين وثلة من الآخرين } وقال الحسن: سابقوا من مضى أكثر من سابقينا، فلذلك قيل { وقليل من الآخرين } وفى التابعين وثلة من الآخرين.