قرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة وسهل { شرب الهيم } بضم الشين.
الباقون بالفتح، وهما لغتان. وقرأ { نحن قدرنا } خفيفة ابن كثير. الباقون بالتشديد وهما لغتان. يقال قدرت، وقدرت، وقد فرق بينهما فيما ذكره.
لما امر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله أن يقول لمن انكر البعث والنشور قل لهم إنكم ومن تقدمكم وتأخر عنكم مبعوثون ومحشورون إلى يوم القيامة بين ما لهم في ذلك اليوم فقال { ثم إنكم أيها الضالون المكذبون } يعني الذين ضللتم عن الدين وعن طريق الحق وحرمتم عن إتباع الصحيح المكذبون الذين كذبتم بتوحيد الله واخلاص العبادة له وجحدتم نبوة نبيه { لأكلون } يوم القيامة { من شجر من زقوم } فالزقوم ما يبتلع بتصعب، يقال: تزقم هذا الطعام تزقماً إذا ابتلعه بتصعب. وقيل: هو طعام خشن مرّ كريه يعسر نزوله فى الحلق.
وقوله { فمالئون منها البطون } أي تملئون بطونكم من أكل هذا الزقوم
والشجر يؤنث ويذكر، فلذلك قال { منها } وكذلك الثمر يذكر ويؤنث، فالتذكير على الجنس، والتأنيث على المبالغة. والبطون جمع بطن وهو خلاف الظهر، وهو داخل الوعاء وخارجه ظهر، وبطن الأمر إذا غمض، ومنه الظهارة والبطانة، وبطن الانسان، وبطن الارض، وبطن الكتاب.
وقوله { فشاربون عليه من الحميم } معناه إنكم تشربون على هذا الزقوم الذي ملأتم بطونكم منه { من الحميم } وهو الماء الحار الشديد الحرارة { فشاربون شرب الهيم } أي تشربون مثل ما تشرب الهيم، فمن فتح الشين أراد المصدر ومن ضمه أراد الاسم، وقيل هما لغتان. وروى جعفر بن محمد أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بلالا ان ينادي بمنى إنها أيام اكل وشرب - بفتح الشين - و (الهيم) الابل التي لا تروى من الماء لداء يصيبها، واحدها (أهيم) والانثى (هيما) ومن العرب من يقول:
هايم وهايمة، وتجمعه على هيم كغايط وغيط. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة: معناه شرب الابل العطاشى التي لا تروى. وقيل: هو داء الهيام. وحكى الفراء: إن الهيم الرجل الذي لا يروى من الماء يشرب ما يحصل فيه.
وقوله { هذا نزلهم يوم الدين } فالنزل الأمر الذي ينزل عليه صاحبه، ومنه النزل وهو الجاري للانسان من الخير، وأهل الضلال قد نزلوا على أنواع العذاب فى النار، وكل ما فصله الله تعالى من ذلك ففيه أتم الزجر واعظم الردع. وقيل:
معنى الآية هذا طعامهم وشرابهم يوم الجزاء.
وقوله { نحن خلقناكم } أي نحن انشأناكم وابتدأناكم في النشأة الأولى { فلولا تصدقون } أنكم تبعثون. ثم نبههم على وجه الاستدلال على صحة ما ذكرناه فقال { أفرأيتم ما تمنون } ومعناه الذي يخرج منكم من المني عند الجماع، ويخلق منه الولد { أأنتم تخلقونه } وتنشئونه { أم نحن الخالقون } فهم لا يمكنهم ادعاء إضافة ذلك
إلى نفوسهم لعجزهم عن ذلك، فلا بد من الاعتراف بأن الله هو الخالق لذلك، واذا ثبت انه قادر على خلق الولد من النطفة وجب أن يكون قادراً على اعادته بعد موته لأنه مثله، وليس بأبعد منه، يقال: أمنى يمني، ومنى يمني، بمعنى واحد، وكذلك أمذى، ومذى - في قول الفراء.
وقوله تعالى { نحن قدرنا بينكم الموت } فالتقدير ترتيب الأمور على مقدار فالله تعالى أجرى الموت بين العباد على مقدار ما تقتضيه الحكمة، فانما أجراه الحكيم على ذلك المقدار.
وقوله { وما نحن بمسبوقين } أي لسنا بمسبوقين في تدبيرنا، لأن الأمور كلها في مقدور الله وسلطانه على ما يصح ويجوز فيما مكن منه أو اعجز عنه. وقال مجاهد: تقدير الموت بالتعجيل لقوم والتأخير لغيرهم. وقيل { نحن قدرنا بينكم الموت } بأن كتبناه على مقدار، لا زيادة فيه ولا نقصان. ويقال: قدرت الشيء مخففاً، وقدرته مثقلا بمعنى واحد.
وقوله { على أن نبدل أمثالكم } فالتبديل جعل الشيء موضع غيره، فتبديل الحكمة بالحكمة صواب وتبديل الحكمة بخلافها خطأ وسفه، فعلى هذا ينشيء الله قوماً بعد قوم، لأن المصلحة تقتضي ذلك، والحكمة توجب إنشاءهم في وقت وإماتتهم في وقت آخر. وانشاؤهم بعد ذلك للحساب والثواب والعقاب. وقيل: إن معنى { على أن نبدل } التبدل أي لنبدل أمثالكم، وبين (على) و (اللام) فرق، لأنه يجوز أن يقال: عمله على قبحه، ولا يجوز عمله لقبحه. وتعليم الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الثانية فيه تعليم القياس.
وقوله { وننشئكم فيما لا تعلمون } معناه فيما لا تعلمون من الهيآت والصور المختلفة، لأن المؤمن يخلق على أحسن صورة، والكافر على أقبح صورة. وقيل:
هذا على النشأة الثانية يكوّنها الله في وقت لا يعلمه العباد، ولا يعلمون كيفيته، كما علموا الانشاء الأول من جهة التناسل. وقيل: معناه لو أردنا أن نجعل منكم القردة والخنازير لم يعييننا ذلك، ولا سبقنا اليه سابق. ويجوز أن يقال: أمثال متفقة، ولا يجوز أن يقال اجناس متفقة، لان المثل ينفصل بالصورة كما ينفصل رجل عن رجل بالصورة، وما انفصل بالصورة يجوز جمعه، لان الصورة قد منعت أن تجري على الكثير منه صفة التوحيد، فلا يجوز أن يقال هؤلاء الرجال كلهم رجال واحد ويجوز هذا الماء كله ماء واحد، وهذه المذاهب كلها مذهب واحد، ولا يجوز هؤلاء الأمثال كلهم أمثال واحد، لأنهم ينفصلون بالصورة. وجرى مجرى المختلفة في انه لا يقع على صفة التوحيد.