التفاسير

< >
عرض

أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ
٨١
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ
٨٢
فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ
٨٣
وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ
٨٤
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ
٨٥
فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ
٨٦
تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
٨٧
فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ
٨٨
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ
٨٩
وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩٠
فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٩١
-الواقعة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

إثنا عشرة آية شامي، واحدى عشرة فيما عداه، عد الشاميون { وروح وريحان } ولم يعده الباقون.
قرأ يعقوب { فروح وريحان } بضم الراء. الباقون بفتحها، وهما لغتان. وقال الزجاج: الروح بفتح الراء معناه الراحة وبالضم معناه حياة دائمة لا موت معها.
يقول الله تعالى مخاطباً للمكلفين على وجه التقريع لهم والتوبيخ بصورة الاستفهام { أفبهذا الحديث } الذي حدثناكم به وأخبرناكم به من حوادث الامور { أنتم مدهنون } قال ابن عباس: معنى مدهنون مكذبون. وقال مجاهد: معناه تريدون أن تمالؤهم فيه وتركنوا اليهم لأنه جريان معهم فى باطلهم. وقيل: معناه منافقون فى التصديق بهذا الحديث وسماه الله تعالى حديثاً كما قال
{ { الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً } ومعناه معنى الحدوث شيئاً بعد شيء ونقيض (حديث) قديم، والمدهن الذي يجري فى الباطل على خلاف الظاهر، كالدهن فى سهولة ذلك عليه والاسراع فيه، أدهن يدهن إدهاناً وداهنه مداهنة مثل نافقه منافقة، وكل مدهن بصواب الحديث مذموم.
وقوله { وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون } معناه وتجعلون حظكم من الخير الذي هو كالرزق لكم إنكم تكذبون ويجوز شكر رزقكم، وقال ابن عباس: معناه وتجعلون شكركم، وروي انه كان يقرأ كذلك. وقيل: حظكم من القرآن - الذي رزقكم الله - التكذيب به - فى قول الحسن - وقيل: إنهم كانوا إذا أمطرو وأخصبوا، قالوا مطرنا بنؤ كذا، فأنزل الله تعالى الآية تكذيباً لهم. وكذلك قرأ المفضل عن عاصم { تكذبون } بفتح التاء خفيفاً.
وقوله { فلولا إذا بلغت الحلقوم } قال الحسن: معناه هلا إذا بلغت هذه النفس التي زعمتم أن الله لا يبعثها الحلقوم { وأنتم حينئذ تنظرون } أي تنظرون ما ينزل بكم من امر الله قال الزجاج: قوله تعالى { وأنتم حينئذ } خطاب لأهل الميت، وتقديره إذا بلغت الحلقوم وانتم معاشر اهله ترونه على تلك الصورة. ويحتمل ان يكون المراد وأنتم حينئذ تبصرون على ضرب من المجاز. وقوله { ونحن أقرب إليه منكم } معناه إن الله تعالى يراه من غير مسافة بينه وبينه، فلا شيء اقرب اليه منه، واقرب من كل من يراه بمسافة بينه وبينه { ولكن لا تبصرون } معناه ولكن لا تعلمون ذلك لجهلكم بالله وبما يجوز عليه وما لا يجوز. ويحتمل أن يكون المراد ولكن لا تبصرون الله، لأن الرؤية مستحيلة عليه. وقيل معناه: ولكن لا تبصرون الملائكة التي تتولى قبض روحه.
وقوله { فلولا إن كنتم غير مدينين } معناه هلا إن كنتم غير مجزيين بثواب الله او عقابه على ما تدعونه من إنكار البعث والنشور { ترجعونها } أي تردون هذه النفس إلى موضعها { إن كنتم صادقين } فى قولكم وإدعائكم. وحكى الطبري عن بعض النحويين ان الكلام خرج متوجهاً إلى قوم أنكروا البعث، وقالوا نحن نقدر على الامتناع من الموت، فقيل لهم: هلا رددتم النفس إذا بلغت الحلقوم إن كنتم صادقين فيما تدعونه. وقال الفراء: جواب (لولا) { ترجعونها } وهو جواب { فلولا إن كنتم غير مدينين } اجيبا بجواب واحد، قال ومثله
{ { لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } } يعني إن الجواب والخبر فى هذا على قياس واحد، وإنما جاز ان يجاب معنيان بجواب واحد، لان كل واحد منهما يوجب ذلك المعنى، والمعنى فلولا إذا بلغت الحلقوم على ادعائهم انه لا يصح ان يكون القادر على إخراجها قادراً على ردها يلزم ان يكون القادر على ردها غيره، وكذلك يلزم من قولهم إنه لا يصح ان يقدر على ردها للجزاء ان يكون القادر غيره منهم ومن اشبهاههم. والرجع جعل الشيء على الصفة التي كان عليها قبل، وهو إنقلابه إلى الحال الأولى، ولو انقلب إلى غيرها لم يكن راجعاً. ووجه إلزامهم على إنكار الجزاء ورجوع النفس إلى الدنيا ان إنكار ان يكون القادر على النشأة الأولى قادراً على النشأة الثانية كادعاء ان القادر على الثانية انما هو من لم يقدر على الأولى، لأن إنكار الاول يقتضي ايجاب الثاني كانكار ان يكون زيد المتحرك حركت نفسه فى اقتضاء ان غيره حركه. ومعنى { غير مدينين } غير مجزيين. وقيل: معناه غير مملوكين، والدين الجزاء. ومنه قولهم: كما تدين تدان أي تجزي تجزى والدين العمل الذي يستحق به الجزاء من قوله { { إن الدين عند الله الإسلام } ومنه دين اليهود غير دين النصارى، وفلان يتدين أي يعمل ما يطلب به الجزاء من الله تعالى، والعبد مدين، لانه تحت جزاء مولاه، وإنما يجوز الانقلاب من صفة الى صفة على ان يكون على احدهما بجعل جاعل ومن استحق صفة النفس لا لمعنى ولا بالفاعل لا يجوز ان ينقلب عنها الى غيرها.
وقوله { فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم } اخبار من الله تعالى بما يستحقه المكلفون لمن كان منهم سابقاً الى الخيرات والى افعال الطاعات فله روح وريحان، وهو الهوى الذي يلذ النفس ويزيل عنها الهم. وقيل: الروح الراحة والريحان: الرزق - فى قول مجاهد وسعيد بن جبير - وقال الحسن وقتادة: هو الريحان المشموم، وكل نبات طيب الريح، فهو ريحان، وقيل الروح الفرح. وقيل: الروح النسيم الذي تستريح اليه النفس. واصل ريحان روحان، لأنه من الواو إلا انه خفف، وأهمل التثقيل للزيادة التي لحقته من الالف والنون - ذكره الزجاج - وقوله { وجنة نعيم } أي ولهذا المقرب مع الروح والريحان { جنة نعيم } أي بستان ينعم فيها ويلتذ بأنواع الثمار والفواكه فيها.
وقوله { وأما إن كان من أصحاب اليمين } وقد فسرنا معناه { فسلام لك من أصحاب اليمين } دخلت كاف الخطاب كما يدخل فى ناهيك به شرفاً، وحسبك به كرماً أي لا تطلب زيادة جلالة على جلالة، وكذلك سلام لك منهم أي لا تطلب زيادة على سلامهم جلالة وعظم منزلة. وقال قتادة: معناه فسلام لك ايها الانسان الذي من اصحاب اليمين من عذاب الله وسلمت عليك ملائكة الله. وقال الفراء: وسلام لك إنك من اصحاب اليمين فحذفت إنك. وقيل معناه سلمت مما تكره لانك من اصحاب اليمين. وقال الزجاج: معناه وسلام لك إنك ترى فيهم ما تحب من السلامة، وذكر اصحاب اليمين فى اول السورة بأنهم { في سدر مخضود } وذكرهم فى أخرها بأنهم يبشرون بالسلامة من كل ما يكرهون. وقيل: إنما كان التبرك باليمين، لان العمل يتيسر بها، واما الشمال فيتعسر العمل بها من نحو الكتابة والتجارة والاعمال الدقيقة.