التفاسير

< >
عرض

مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ
١١
يَوْمَ تَرَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ ٱلْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١٢
يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ ٱلْعَذَابُ
١٣
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَٱرْتَبْتُمْ وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ
١٤
فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٥
-الحديد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات كوفى وأربع فيما عداه، عد الكوفيون { من قبله العذاب } ولم يعده الباقون قرأ ابن كثير { فيضعفه } بالتشديد وضم الفاء، وبه قرأ ابن عامر إلا انه فتح الفاء. وقد مضى تفسيره في البقرة، وقرأ حمزة وحده { للذين آمنوا انظرونا } بقطع الهمزة وكسر الظاء. الباقون بوصلها وضم الظاء. وقرأ ابو جعفر وابن عامر ويعقوب وسهل { فاليوم لا تؤخذ } بالتاء لتأنيث الفدية. الباقون - بالياء - لان التأنيث ليس بحقيقي. وقد فصل بين الفعل والفاعل بـ { منكم }.
قال الحسن: معنى قوله { من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً } هو التطوع في جميع الدين. وقال غيره: معناه من ذا الذي ينفق في سبيل الله إنفاقاً كالقرض والقرض اخذ الشيء من المال باذن صاحبه بشرط ضمان رده، وأصله القطع، فهو قطعه عن مالكه باذنه لانفاقه على رد مثله. والعرب تقول: لي عندك قرض صدق وقرض سوء إذا فعل به خيراً او شراً قال الشاعر:

ونجزي سلامان بن مفرح قرضها بما قدمت أيديهم وازلت

وقوله { فيضاعفه له } فالمضاعفة الزيادة على المقدار مثله او أمثاله، وقد وعد الله بالحسنة عشر امثالها، والانفاق في سبيل الله حسنة فهو داخل في هذا الوعد ومن شدد العين، فلان الله وعد بالحسنة عشر أمثالها. ومن ضم الفاء جعله عطفاً على من ذا الذي يقرض فيضاعفه او على تقدير فهو يضاعفه. ومن نصب فلأنه جواب الاستفهام.
وقوله { وله أجر كريم } معناه إن له مع مضاعفة ما أنفقه اجراً زائداً كريماً، فالكريم الذي من شأنه ان يعطي الخير العظيم، فلما كان الأجر يعطي النفع العظيم، كان الأجر كريماً، لانه يوجد شرف النفع بما لا يلحقه ما ليس بأجر.
وقوله { يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم } فـ { يوم } يتعلق بقوله { لهم أجر كريم.. يوم ترى } قال قتادة: معناه إنه يسعى نورهم أي الضياء الذي يرونه { بين أيديهم وبأيمانهم } وقال الضحاك: نورهم هداهم. قال { وبأيمانهم } كتبهم. وقيل { وبأيمانهم } معناه وعن أيمانهم. وقيل: وفي أيمانهم. وقوله { بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار } أي تجري تحت اشجارها الانهار، أي يقال لهم: الذي تبشرون به اليوم جنات تجرى من تحتها الانهار { خالدين فيها } أى مؤبدين لا يفنون.
ثم قال { ذلك هو الفوز العظيم } فعظم الفوز والفلاح يتضمن اجلال النعمة والاكرام مع الحمد بالاحسان على طريق الدوام، فكل ما فعل من أجل الثواب فالنعمة به أجل والاحسان به اعظم.
وقوله { يوم يقول المنافقون والمنافقات } يجوز أن يتعلق { يوم } بقوله { ذلك هو الفوز العظيم.. يوم } أي في يوم، ويجوز ان يكون على تقدير واذكر يوم يقول المنافقون والمنافقات { للذين آمنوا } ظاهراً وباطناً { انظرونا } فمن قطع الهمزة اراد أخرونا ولا تعجلوا علينا واستأخروا نستضيء بنوركم. ومن وصلها اراد ينظرون. وقيل: انظرني ايضاً بمعنى انتظرني، قال عمرو ابن أم كلثوم:

أبا هند فلا تعجل علينا وانظرنا نخبرك اليقينا

ويقال: انظرني بمعنى اخرني. وقوله { نقتبس من نوركم } فالنور الضياء، وهو ضد الظلمة، وبالنور يستضاء في البصر وفي الامور، وفي البصر نور وكذلك في النار. ومعنى { نقتبس } نأخذ قبساً من نوركم، وهو جذوة منه فقالوا لهم { ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً } أى ارجعوا إلى خلفكم فاطلبوا النور فانه لا نور لكم عندنا، فاذا تأخروا ضرب الله بينهم بسور. ومن وصلها أراد انتظرونا.
ثم اخبر تعالى فقال { فضرب بينهم } يعني بين المؤمنين وبين المنافقين { بسور } والباء زائدة وهو المضروب بين الجنة والنار { له باب باطنه فيه الرحمة } لأن فيه الجنة { وظاهره من قبله العذاب } يعني من قبل المنافقين العذاب، لكون جهنم هناك.
ثم حكى الله تعالى أنهم { ينادونهم } يعني المنافقون فيقولون لهم { ألم نكن معكم } في دار الدنيا ومخالطين لكم ومعاشرين، فيجيبهم المؤمنون فيقولون { بلى } كنتم معنا { ولكنكم فتنتم أنفسكم } أى تعرضتم للفتنة وتربصتم بالمؤمنين الدوائر { وارتبتم وغرتكم الأماني } أي شككتم فيما اخبركم به رسولنا وغركم ما كنتم تمنون حتى طمعتم في غير مطمع { حتى جاء أمر بالله } في نصرة نببه والمؤمنين معه وغلبته إياكم { وغركم بالله الغرور } يعني الشيطان وسمي بذلك لكثرة ما يغر الناس. ومن غر غيره مرة واحدة فهو غار. وقرىء بالضم، وهو كل ما غر من متاع الدنيا - ذكره الزجاج - والغرور بضم الغين المصدر. ثم يقول لهم الملائكة او المؤمنون { فاليوم لا يؤخذ منكم فدية } أى ما تفدون به أنفسكم لا يقبل منكم { ولا } يؤخذ { من الذين كفروا } الفداء { ومأواكم } أى مقركم وموضعكم الذى تأوون اليه { النار هي مولاكم } أى هي اولى بكم { وبئس المصير } أى بئس المأوى والموضع والمرجع اليه قال لبيد:

قعدت كلا الفرجين تحسب انه مولى المخافة خلفها وأمامها

أى تحسب أن كليهما اولى بالمخافة.