التفاسير

< >
عرض

كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢١
لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٢٢
-المجادلة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

آيتان وبعض آية في المكى والمدني الأخير، وآيتان فيما عداه، عد المكي والمدني الأخير إلى { قوي عزيز } تمام التي قبلها.
قرأ الاعشى { عشيراتهم } على الجمع، الباقون { عشيرتهم } على الافراد.
قوله { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } معناه إنه كتب في اللوح المحفوظ وما كتبه فلا بد من ان يكون. وقال الحسن: ما أمر الله نبياً قط بحرب الا غلب إما في الحال او فيما بعد. ويحتمل ان يكون المراد { كتب الله لأغلبن أنا ورسلي } بالحجج والبراهين، وان جاز ان يغلب في الحرب في بعض الأوقات. والغلبة قهر المنازع حتى يصير في حكم الذليل للقاهر، وقد يقهر ما ليس بمنازع، كقولهم قهر العمل حتى فرغ منه. والله تعالى غالب بمعنى انه قاهر لمن نازع أولياءه. وقوله { إن الله قوي عزيز } اخبار منه تعالى انه قادر لا يمكن احداً من قهره ولا غلبته لان مقدوراته لا نهاية لها ومن كان كذلك لا يمكن قهره. والعزيز المنيع بكثرة مقدوراته.
وقوله { لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } معناه ان المؤمن لا يكون مؤمناً كامل الايمان والثواب يواد من خالف حدود الله ويشاقه ويشاق رسوله ومعنى يواده يواليه، وان كان ذلك الذي يواده أباه او ابنه او اخاه او عشيرته، فمن خالف ذلك ووالى من ذكرناه كان فاسقاً، لا يكون كافراً، وكل كافر فهو محاد لله ولرسوله. والموادة الموالاة بالنصرة والمحبة، فهذا لا يجوز إلا للمؤمن بالله دون الكافر، والفاسق المرتكب للكبائر، لانه يجب البراءة منهما، وهي منافية للموالاة. والآية نزلت في حاطب بن ابي بلتقة حين كتب إلى اهل مكة يشعرهم بأن النبي صلى الله عليه وآله عزم على ان يأتي مكة بغتة يفتحها. وكان النبي صلى الله عليه وآله أخفى ذلك، فلما عوتب على ذلك، قال أهلي بمكة احببت ان يحوطوهم بيد تكون لي عندهم، فانزل الله تعالى فيه الآية.
ثم قال تعالى { أولئك } يعني الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر { كتب في قلوبهم الإيمان } ومعناه انه جعله بحكمه، فكأنه مكتوب فيه. وقيل: معناه إنه جعل فى قلوبهم سمة تدل من علمها أنهم من اهل الايمان. وقال الحسن: معناه انه ثبت الايمان فى قلوبهم بما فعل بهم من الالطاف { وأيدهم بروح منه } أي قواهم بنور البرهان والحجج حتى اهتدوا للحق وعملوا به، وقيل: أيدهم بجبرائيل من أمر الله فى كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم { ويدخلهم جنات } أي بساتين { تجري من تحتها الأنهار } أي من تحت أشجارها الأنهار. وقيل: ان أنهارها أخاديد فى الارض، فلذلك قال { من تحتها الأنهار }. والانهار جمع نهر { خالدين فيها } أي مؤبدين لا يفنون ولا يخرجون منها، وهو نصب على الحال { رضى الله عنهم } باخلاص الطاعة منهم { ورضوا عنه } بثواب الجنة. ثم قال { أولئك حزب الله } يعني جنده وأولياؤه، ثم قال { ألا } وهي كلمة تنبيه { إن حزب الله } يعني جنوده واولياءه { هم المفلحون } والمفلح هو المنجح بادراك ما طلب. وقال الزجاج: حزب الله هم الذين اصطفاهم الله. وقرأ المفضل عن عاصم { كتب في قلوبهم الإيمان } على ما لم يسم فاعله. الباقون بفتح الكاف بمعنى إن الله كتب ذلك عليهم.