التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٦
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
٧
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نُهُواْ عَنِ ٱلنَّجْوَىٰ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ ٱللَّهُ وَيَقُولُونَ فِيۤ أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ يُعَذِّبُنَا ٱللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بِٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ ٱلرَّسُولِ وَتَنَاجَوْاْ بِٱلْبِرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ
٩
إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٠
-المجادلة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ حمزة وحده { ويتنجون } بغير الف. الباقون { يتناجون } بألف. وقرأ ابو جعفر { ما يكون } بالياء. الباقون بالتاء، لان تأنيث نجوى ليس بحقيقي
لما قال الله تعالى ان الكافرين لحدود الله لهم عذاب مهين، بين متى يكون ذلك، فقال { يوم يبعثهم الله جميعاً } أي يحشرهم الى ارض المحشر ويعيدهم احياء { فينبئهم } أي يخبرهم ويعلمهم { بما عملوا } في دار الدنيا من المعاصي وإرتكاب القبائح، ثم قال { أحصاه الله ونسوه } أي احصاه الله عليهم واثبته في كتاب اعمالهم ونسوه هم { والله على كل شيء شهيد } ومعناه انه يعلم الاشياء كلها من جميع وجوهها لا يخفى عليه شيء من ذلك وإن كان كثيراً من الاشياء لا يصح مشاهدتها ولا إدراكها، ومنه قوله
{ شهد الله أنه لا إله إلا هو } أي علم ذلك.
ثم بين فقال { ألم تر } ومعناه الم تعلم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله والمراد به جميع المكلفين { أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } من الموجودات لا يخفى عليه شيء منها، لانه عالم لنفسه يجب ان يكون عالماً بما يصح أن يكون معلوماً. وقيل التقدير ألم تر ان الله يعلم ما في السموات وما في الارض مما ترى من تدبيرهما من مسير الشمس والقمر ومجيء الحر والبرد والزرع والثمار وسائر صنوف الاشجار على ما تقتضي الحكمة عالماً دبر ذلك وجعل كل شيء منه في وقته ولما يصلح له، وذلك يقتضي انه عالم بكل نجوى، لأنه عالم لنفسه لا بحدوث علم. واذا ثبت انه عالم لنفسه وجب ان يكون عالماً بكل معلوم.
وقوله { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا } والمعنى انه عالم بأحوالهم وجميع متصرفاتهم فرادى وعند الاجتماع، لا يخفى عليه شيء منها، فكأنما هو معهم مشاهد لهم. وعلى هذا يقال: إن الله تعالى مع الانسان حيث ما كان، لانه عالم لا يخفى عليه شيء من أمره حتى انه ظاهر له اتم الظهور لمن شاهده ممن هو معه في المكان، وحسن هذا لما فيه من البيان، فأما ان يكون معهم على طريق المجاورة فمحال، لأن ذلك من صفات الاجسام، والله تعالى ليس بجسم. ويقولون: فلان رابع أربعة إذا كان احد اربعة ورابع ثلاثة اذا جعل ثلاثة اربعة بكونه معهم. ويجوز على هذا ان يقال: رابع ثلاثة ولا يجوز رابع أربعة، لانه ليس فيه معنى الفعل. ويجوز في (ثلاثة) الجر باضافة النجوى اليها، ويجوز بأنها صفة النجوى. ويجوز النصب بأنها خبر (يكون).
وقوله { ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة } معناه يعلمهم بما عملوه من المعاصي في الدنيا والاعمال، ويخبرهم بها، لأن الله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه خافية.
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله والمراد به جميع الأمة { ألم تر } بمعنى الم تعلم { إلى الذين نهوا عن النجوى } قال مجاهد: كان النبي صلى الله عليه وآله نهى اليهود عن النجوى بينهم لأنهم كانوا لا يتناجون إلا بما يسوء المؤمنين. وقال الفراء: نزلت في المنافقين واليهود، ونهوا أن يتناجوا اذا اجتمعوا مع المسلمين في موضع واحد. والنجوى هي الاسرار، والنجوة الارتفاع من الارض، وهو الاصل، ومنه النجا الارتفاع في السير، والنجاة الارتفاع من البلاء.
وقوله { ثم يعودون لما نهوا عنه } معناه يعودون فيتناجون ويخالفون نهي النبي صلى الله عليه وآله { ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول } والتناجي والمناجاة تكون بين اثنين فصاعداً، ويقال: انتجوا بمعنى تناجوا، كما يقال اختصموا وتخاصموا وكذلك انتجوا وتناجوا بمعنى.
وحجة حمزة قول النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام
"ما انا انتجيته، ولكن الله انتجاه" وحجة الباقين قوله { إذا تناجيتم } وكلاهما حسان.
قال قتادة: كان المنافقون يتناجون بينهم فيغيظ ذلك المؤمنين. وقال ابن زيد: كانوا يوهمون انه قد حدثت بلية على المسلمين من حرب او نحوه، فأخبر الله عنهم انهم كانوا يتناجون بالاثم يعني بالمعاصي. والعدوان التعدى الى غير الواجب وبمعصيت الرسول أي ما يعصون به الرسول النبي صلى الله عليه وآله.
وقوله { وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله } قال قتادة ومجاهد - وهو المروي عن عائشة - انه كانت تحيتهم السام عليكم يابا القاسم. وقال ابن عباس: كان المنافقون يقولون ذلك. وقيل: كان النبي صلى الله عليه وآله يرده على من قال ذلك، فيقول: وعليك، وقال ابن زيد: السام الموت. وقال الحسن: كانت اليهود تقول: السام عليكم أي انكم ستسأمون دينكم هذا أي تملونه فتدعونه. ومن هذا سئمت الأمر اسأمه سأماً وسأماً. ومن قال: السام الموت فهو سام الحياة بذهابها.
وقوله { ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول } قال كانوا يقولون: إن كان نبياً صادقاً هلا يعذبنا الله بما نقول من النجوى وغيره. فقال الله تعالى لهم { حسبهم جهنم } أي كافيهم جهنم { يصلونها } يوم القيامة ويحترقون فيها { وبئس المصير } أي بئس المرجع والمآل لما فيها من أنواع العقاب.
ثم امر المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم } انتم فيما بينكم أي تشاورتم { فلا تتناجوا بالإثم } يعني بالمعاصي ولا بـ { العدوان } ولا بـ { معصية الرسول } ومخالفته { وتناجوا بالبر والتقوى } أي بافعال الخير والخوف من عذاب الله. ثم قال { واتقوا الله } باجتناب معاصيه { الذي إليه تحشرون } يعني يوم القيامة.
ثم قال { إنما النجوى من الشيطان } يعني نجوى المنافقين والكفار بما يسوء المؤمنين ويغمهم { من الشيطان } أي بدعاء الشيطان واغوائه يفعل ذلك { ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله } معناه إلا بعلم الله وتمكينه إياهم لان تكليفهم إيمانهم بذلك، وقيل معناه إلا بفعل الله الغم والحزن في قلوبهم لان الشيطان لا يقدر على فعل ذلك. ثم قال تعالى { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } أي يجب على المؤمنين ان يتوكلوا في جميع امورهم عليه تعالى دون غيره.