التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٦
مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٧
لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٩
وَٱلَّذِينَ جَآءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
١٠
-الحشر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابو جعفر { كيلا تكون } بالتاء { دولة } بالرفع أضاف الفعل إلى { دولة }. الباقون بالياء { دولة } نصب أرادوا الفيء والمال.
قوله { وما أفاء الله على رسوله منهم } يعني من اليهود الذين أجلاهم من بني النضير، وإن كان الحكم سارياً فى جميع الكفار إذا كان حكمهم، فالفيء ردّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك الله إياهم ذلك، على ما شرط فيه، يقال: فاء بفيء فيئاً إذا رجع وأفأته عليه إذا رددته عليه. وقال عمر بن الخطاب ومعمر: مال الفيء هو مال الجزية والخراج. والفيء كل ما رجع من أموال الكافرين إلى المؤمنين، سواء كان غنيمة او غير غنيمة، فالغنيمة ما اخذ بالسيف، فأربعة أخماسه للمقاتلة وخمسه للذين ذكرهم الله فى قوله
{ { واعلموا أنما غنمتم... } الآية.
وقال كثير من العلماء: ان الفيء المذكور فى هذه الآية هو الغنيمة. وقال قوم: مال الفيء خلاف مال الصدقات، لأن مال الفيء اوسع، فانه يجوز ان يصرف فى مصالح المسلمين، ومال الصدقات إنما هو فى الاصناف الثمانية. وقال قوم: مال الفيء يأخذ منه الفقراء من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله باجماع الصحابة فى زمن عمر ابن الخطاب، ولم يخالفه فيه احد إلا الشافعي، فانه قال: يأخذ منه الفقراء والاغنياء، وإنما ذكروا فى الآية لانهم منعوا الصدقة، فبين الله أن لهم فى مال الفيء حقاً. وقال عمر بن الخطاب: مال بني النضير كان فيأ لرسول الله صلى الله عليه وآله خاصة { ولذي القربى } قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله من بني هاشم وبني عبد المطلب. وقيل: جعل ابو بكر وعمر سهمين: سهم رسوله وسهم قرابته من الاغنياء في سبيل الله، وصدقة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ذكره قتادة. والباقي في اهل الحاجة من اطفال المسلمين الذين لا أبالهم، وابن السبيل المنقطع به من المسافرين في غير معصية الله. وقال يزيد ابن رومان: الغنيمة ما أخذ من دار الحرب بالقتال عنوة. وقيل: كانت الغنائم في صدر الاسلام لهؤلاء الاصناف. ثم نسخ بما ذكره في سورة الانفال: بالخمس. والباقي للمحاربين - ذكره قتادة -.
والذي نذهب اليه أن مال الفيء غير مال الغنيمة، فالغنيمة كل ما اخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الاسلام، وما لا يمكن نقله إلى دار الاسلام، فهو لجميع المسلمين ينظر فيه الامام ويصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين. والفيء كل ما اخذ من الكفار بغير قتال او انجلاء اهلها وكان ذلك للنبي صلى الله عليه وآله خاصة يضعه في المذكورين في هذه الآية، وهو لمن قام مقامه من الأئمة الراشدين. وقد بين الله تعالى ذلك. ومال بني النضير كان للنبي خاصة، وقد بينه الله بقوله { وما أفاء الله } يعني ما رجعه الله ورده { على رسوله منهم } يعني من بني النضير. ثم بين فقال { فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } أي لم توجفوا على ذلك بخيل ولا ركاب. والايجاف الايقاع، وهو تسيير الخيل والركاب وهو من وجف يجف وجيفاً، وهو تحرك باضطراب، فالايجاف الازعاج للسير، والركاب الابل { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } من عباده حتى يقهروهم ويأخذوا ما لهم { والله على كل شيء قدير }.
ثم قال مبيناً من استحق ذلك، فقال { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى } يعني بني النضير { فلله وللرسول ولذي القربى } يعني اهل بيت رسول الله { واليتامى والمساكين وابن السبيل } من أهل بيت رسول الله لان تقديره ولذي قرباه ويتامى أهل بيته، وابن سبيلهم، لان الألف واللام تعاقب الضمير، وظاهره يقتضي أنه لهؤلاء سواء كانوا أغنياء او فقراء. ثم بين لم فعل ذلك فقال { كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } فالدولة - بضم الدال - نقلة النعمة من قوم إلى قوم وبفتح الدال المرة من الاستيلاء والغلبة. ثم قال { وما أتاكم الرسول فخذوه } أي ما اعطاكم رسوله من الفيء فخذوه وارضوا به. وما أمركم به فافعلوه { وما نهاكم عنه فانتهوا } عنه فانه لا يأمر ولا ينهى إلا عن أمر الله.
ثم قال { واتقوا الله } فى ترك معاصيه وفعل طاعاته { إن الله شديد العقاب } لمن عصاه وترك أوامره.
ثم قال { للفقراء } يعني الذين لا مال لهم { المهاجرين } الذين هاجروا من مكة إلى المدينة او هاجروا من دار الحرب إلى دار الاسلام { الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم } الذي كان لهم بمكة فأخرجوا منها { يبتغون فضلا } أي طالبين بذلك فضلا { من الله ورضواناً } فالجملة فى موضع الحال { وينصرون الله ورسوله } يعني ناصرين لدين الله ورسوله { أولئك هم الصادقون } عند الله فى الحقيقة العظيموا المنزلة لديه. وقيل: تقدير الآية { كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم } بل للفقراء المهاجرين.
ثم وصف الانصار فقال { والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم } أي جعلوا ديارهم موضع مقامهم وآمنوا بالله من قبلهم نزلت فى الانصار، فانهم نزلوا المدينة قبل نزول المهاجرين. وقيل ان كان من نزل بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله فهو من الانصار.
وقوله { والإيمان من قبلهم } يعني إن الانصار آمنوا قبل هجرة المهاجرين وإن كان فى المهاجرين من آمن قبل إيمان الانصار { يحبون من هاجر إليهم } من اهل مكة { ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا } قال الحسن يعني حسداً، قال الزجاج: معناه لا تجد الانصار فى نفوسهم حاجة مما يعطون المهاجرين. وقال البلخي: لا يجدون حاجة فى نفوسهم مما يؤتون المهاجرين من الفضل فى الدين، وقال الطبري: معناه لا يجدون فى نفوسهم حاجة فيما أعطي المهاجرين من مال بني النضير، فان النبي خص به المهاجرين إلا رجلين من الانصار: أباد دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف أعطاهما لفقرهما. وإنما فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك لان مال بني النضير كان له خاصة. والمهاجرين بهم حاجة خصهم بذلك. والانصار كانوا فى غنى فرضوا بذلك، ومدحهم الله على ذلك - ذكره ابن زيد -.
وقوله { ويؤثرون على أنفسهم } أي يختارون على أنفسهم من يولونه من ما لهم من المهاجرين { ولو كان بهم خصاصة } يعني حاجة. والخصاصة الحاجة التي يختل بها الحال. والخصاص الفرج التي يتخللها البصر، والواحد خصاص. قال الراجز:

والناظرات من خصاص لمحا

وأصله الاختصاص بالانفراد بالامر والخصاص الانفراد عما يحتاج اليه والخصوص الانفراد ببعض ما وضع له الاسم، والخص إنفراد كل قصبة من أختها فى الاشراج، والخاصة إنفراد المعنى بما يقوله دون غيره.
وقوله { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } أي من منع شح نفسه. والشح والبخل واحد. وفى أسماء الدين هو منع الواجب { فأولئك هم المفلحون } يعني المنجحين الفائزين بثواب الله ونعيم جنته.
ثم قال { والذين جاءو من بعدهم } يعني بعد المهاجرين والانصار، وهم جميع التابعين لهم إلى يوم القيامة - فى قول الحسن - وهو كل من أسلم بعد العصر الأول. وقال الأصم: يعني من جاءك من المهاجرين أي بعد انقطاع الهجرة وبعد إيمان الانصار { يقولون ربنا } الجملة فى موضع الحال، وتقديره قائلين { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً } أي حقداً وغشاً { للذين آمنوا } ويقولون { ربنا إنك رؤف رحيم } أي متعطف على عبادك منعم عليهم.
وقسمة الغنيمة عندنا للفارس سهمان وللراجل سهم. وقال قوم: للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم إلا ما كان من الارض والاشجار، فانه للامام أن يقسمها إن شاء، وله ان يجعلها أرض الخراج ويردها إلى من كانت في أيديهم قبل، على هذا الوصف بحسب ما يرى، كما فعل عمر بأرض السواد. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وآله فتح مكة عنوة ولم يقسم أرضها بين المقاتلة. وقال قوم: فتحها سلماً. وقسم كثيراً من غنائم حنين في المؤلفة قلوبهم دون المقاتلة حتى وقع من نفر من الانصار فى ذلك ما وقع، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
" اما ترضون ان يرجع الناس بالشاة والبعير وترجعون برسول الله" ، فرضوا وسلموالله ورسوله في قصة مشهورة.