التفاسير

< >
عرض

يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ
١٣٠
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى انه يخاطب الجن والانس يوم القيامة بأن يقول { يا معشر الجن والإنس } والمعشر الجماعة. والفرق بينه وبين المجمع: أن المعشر يقع عليهم هذا الاسم مجتمعين كانوا او مفترقين كالعشيرة، وليس كذلك المجمع، لانه مأخوذ من الجمع. والجن مشتق الاجتنان عن العيون وهو اسم علم لجنس مما يعقل متميز عن جنس الانسان والملك. والانس هم البشر.
وقوله { ألم يأتكم رسل منكم } احتجاج عليهم بأن الله بعث اليهم الرسل إِعذارا وانذارا وتأكيدا للحجة عليهم، ولا بد أن يكون خطابا لمن بعث الله اليهم الرسل، فأما اول الرسل فلا يمكن ان يكونوا داخلين فيه، لانه كان يؤدي الى ما لا نهاية لهم من الرسل وذلك محال.
وقوله { منكم } وان كان خطابا لجميعهم، الرسل من الانس خاصة، فانه يحتمل ان يكون لتغليب احدهما على الآخر، كما يغلب المذكر على المؤنث، وكما قال { يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } بعد قوله
{ مرج البحرين يلتقيان } } وانما يخرج اللؤلؤ من الملح دون العذب. وكقولهم أكلت خبزا ولبنا وانما شرب اللبن. وكما يقولون: في هذه الدار سرو، وانما هو في بعضها. وهذا قول أكثر المفسرين: منهم ابن جريج والفراء والزجاج والرماني والبلخي والطبري. وروي عن ابن عباس انه قال: هم رسل الانس الى غيرهم من الجن كما قال تعالى { وَلَّوْا إلى قومهم منذرين } }. وقال الضحاك: ذلك يدل على انه تعالى ارسل سلا من الجن. وبه قال الطبري واختاره البلخي أيضا، وهو الاقوى. وقال الجبائي والحسين بن علي المغربي: المعنى { ألم يأتكم } يعني معشر المكلفين والمخلوقين { رسل منكم } يعني من المكلفين.
وهذا اخبار وحكاية عما يقال لهم في وقت حضورهم في الآخرة، وليس بخطاب لهم في دار الدنيا، وهم غير حضور، فيكون قبيحا، بل هو حكاية على ما قلناه.
وقوله { يقصون عليكم آياتي } مثل يتلون عليكم دلائلي وبيناتي { وينذرونكم } يعني يخوفونكم { لقاء يومكم هذا } يعني لقاء ما تستحقونه من العقاب في هذا اليوم وحصولكم فيه. ثم أخبر تعالى عنهم انهم يشهدون على أنفسهم بالاعتراف بذلك والاقرار بأن الحياة الدنيا غرتهم، ويشهدون أيضا بانهم كانوا كافرين في دار الدنيا، فلذلك كرر الشهادة.
ومعنى غرتهم الحياة الدنيا أي غرتهم زينة الدنيا ولذتها وما يرون من زخرفها وبهجتها.
واستدل بهذه الآية قوم على ان الله لا يجوز ان يعاقب الا بعد ان يرسل الرسل، وان التكليف لا يصح من دون ذلك، وهذا ينتقض بما قلناه من اول الرسل، وانه صح تكليفهم وان لم يكن لهم رسل، فالظاهر مخصوص بمن علم الله ان الشرع مصلحة له، فان الله لا يعاقبهم الا بعد ان يرسل اليهم الرسل ويقيم عليهم الحجة بتعريفهم مصالحهم، فاذا خالفوا بعد ذلك استحقوا العقاب.