التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ
١٤١
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ اهل البصرة وابن عامر وعاصم (حصاده) - بفتح الحاء - الباقون بكسرها. وهم لغتان. وقال سيبويه: جاءوا بالمصادر حين أرادوا أنتهاء الزمان على مثال (فعال) نحو الضرام والجزاز، والجداد والقطاف والحصاد. وربما دخلت اللغتان في بعض هذا، وكان فيه (فِعال وفَعال).
لما اخبر الله عن هؤلاء الكفار وعن عظيم ما ابتدعوه وافتروا به على الله وشرعوا من الدين ما لم يأذن الله فيه، عقب ذلك البيان بأنه الخالق لجميع الاشياء فلا يجوز اضافة شيء منها الى الاوثان، ولا تحليله، ولا تحريمه الا بأذنه، فقال { وهو الذي أنشأ جنات معروشات } والانشاء هو احداث الافعال ابتداء لا على مثال سبق، وهو كالابتداع. والاختراع هو أحداث الافعال في الغير من غير سبب، والخلق هو التقدير والترتيب. والجنات جمع جنة، وهي البساتين التي يجنها الشجر من النخل وغيره. والروضة هي الخضرة بالنبات والزهور المشرقة باختلاف الالوان الحسنة.
وقوله { معروشات وغير معروشات } قيل في معناه قولان:
احدهما - ما قال ابن عباس والسدي: المعروشات هو ما عرش الناس من الكروم ونحوها، وهو رفع بعض اغصانها على بعض { وغير معروشات } ما يكون من قبل نفسه في البراري والجبال.
والثاني - قال ابو علي يعرشه أي يرفع له حظائر كالحائط. واصله الرفع ومنه قوله تعالى
{ خاوية على عروشها } يعني على اعاليها، وما ارتفع منها لم يندك فيستوي بالارض، ومنه العرش للسرير لارتفاعه.
و { معرشات } في موضع النصب، لانها صفة لـ { جنات } والنخل والزرع معناه وأنشأ النخل والزرع { مختلفا أكله } يعني طعمه، ونصب مختلفا على الحال، وانما نصبه على الحال، وهو يؤكل بعد ذلك بزمان، لامرين:
احدهما - ان معناه مقدرا اختلاف أكله كقولهم: مررت برجل معه صقر صايدا به غدا أي مقدرا الصيد به غدا.
الثاني - ان يكون معنى { أكله } ثمره الذي يصلح ان يؤكل منه.
{ والزيتون والرمان } أي وانشأ الزيتون والرمان. وانما قرن الزيتون الى الرمان، لانه لما ذكر الكرم والنخل والزرع اقتضى ذكر ما خرج عن ذلك، فقرنا لفضلهما بعدما ذكره. وقيل: لانهما يشتبهان باكتناف الاوراق في اغصانها { متشابها وغير متشابه } معناه متماثلا وغير متماثل. وقيل { متشابها } في النظر { وغير متشابه } في الطعم بل الطعم مختلف.
وقوله { كلوا من ثمره إذا أثمر } المراد به الاباحة لا الامر. وقال الجبائي وجماعة: ان ذلك يدل على جواز الاكل من ثمره، وان كان فيه حق للفقراء.
وقوله { وآتوا حقه يوم حصاده } أمر ايجاب بايتاء الحق يوم الحصاد على طريق الجملة، والحق الذي يجب اخراجه يوم الحصاد فيه قولان:
احدهما - قال ابن عباس ومحمد بن الحنفية وزيد بن أسلم والحسن وسعيد بن المسيب وطاووس وجابر بن عبد الله وبريد وقتادة والضحاك: انه الزكاة العشر، او نصف العشر.
الثاني - روي عن جعفر (ع) عن أبيه (ع) وعطاء ومجاهد وابن عامر وسعيد بن جبير والربيع بن أنس: انه ما ينثر مما يعطي المساكين.
وروي أصحابنا أنه الضغث بعد الضغث والحفنة بعد الحفنة.
وقال ابراهيم والسدي: الآية منسوخة بفرض العشر ونصف العشر، قالوا: لان الزكاة لا تخرج يوم الحصاد، وقالوا لان هذه الآية مكية وفرض الزكاة نزل بالمدينة. ولما روي بأن فرض الزكاة نسخ كل صدقة.
قال الرماني: وهذا غلط، لان يوم حصاده ظرف لحقه، وليس بظرف الايتاء المأمور به.
وقوله { ولا تسرفوا } قيل في المخاطبين به ثلاثة أقوال:
احدها - قال ابو العالية وابن جريح انه يتوجه الى ارباب الاموال، لانهم كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة يسرفون فيه، فروي عن ثابت بن شماس انه كان له خمس مئة رأس نخلا فصرمها وتصدق بها، ولم يترك لاهله منها شيئا فنهى الله عن ذلك، وبين أنه مسرف، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وسلم) ابدأ بمن تعول.
الثاني - قال ابن زيد انه خطاب للسلطان.
الثالث - انه خطاب للجميع وهو أعم فائدة.
وقيل: ان السرف يكون في التقصير، كمايكون في الزيادة قال الشاعر:

اعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف

معناه ولا تقصير. وقيل ولا إِفراط، لانه لا يستكثر كثيرهم. والاسراف هو مجاوزة حد الحق وهو افراط وغلو. وضده تقصير واقتار. ومسرف صفة ذم في العادة.
وينبغي ان يؤدي الحق الذي في الغلات الى امام المسلمين ليصرفه الى اهل الصدقات ولهم ان يخرجوه الى المساكين اذا لم يأخذهم الامام بذلك فأما مقدار ما يجب من الزكاة، والنصاب الذي يتعلق به وصفه الارض الزكوية فقد بيناه في كتب الفقه مستوفى لا نطول بذكره الكتاب.