التفاسير

< >
عرض

ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ
١٤٣
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير الا ابن فليح وابن عامر الا الداحوني عن هشام واهل البصرة { المعز } بفتح العين. الباقون بسكونها. قال ابو علي من قرأ بالفتح اراد الجمع بدلالة قوله { من الضأن اثنين } ولو كان واحدا لم يسغ فيه هذا، ونصب اثنين على تقدير: وانشأ ثمانية ازواج: انشأ من الضأن اثنين ومن المعز اثنين، ونظير معز جمع ماعز خادم وخدم وطالب وطلب، وحارس وحرس، وقال ابو الحسن: هو جمع على غير واحد، وكذلك المعزى، وحكى ابو زيد إِمعوز وانشد:

كالتيس في إِمعوزه المربل

وقالوا: المعيز كالكليب، ومن سكن العين، فهو أيضا جمع ماعز كصاحب وصحب وتاجر وتجر وراكب وركب. وابو الحسن: يرى هذا الجمع مستمرا، ومن يرده في التصغير الى الواحد، فيقول في تحقير ركب رويكبون، وفي تجر: تويجرون، وسيبويه يراه اسما من أسماء الجمع، وانشد ابو عثمان حجة لقول سيبويه:

بنيته بعصبة من ماليا أخشى ركيبا او رجيلا عاديا

- بالعين والغين - عن غير ابي علي فتحقيره له على لفظه من غير ان يرده الى الواحد الذي هو فاعل - والحاق الواو والنون أو الياء والنون، يدل على إِنه اسم للجمع وأنشد ابو زيد:

واين ركيب واضعون رحالهم الى أهل نار من أناس بأسود

وقال ابو عثمان البقرة عند العرب نعجة، والظبية عندهم ماعزة، الدليل على ذلك قول ذي الرمة:

اذا ما رآها راكب الضيف لم يزل يرى نعجة في مرتع فيثيرها
مولعة خنساء ليست بنعجة يدمّن اجواف المياه وقيرها

قوله لم يزل يرى نعجة يريد بقرة، ألا ترى انه قال مولعة خنساء، والخنس والتوليع إِنما يكونان في البقر دون الظباء. وقوله ليست بنعجة معناه انها ليست بنعجة أهلية، لانه لا يخلو من ان يريد أنها ليست بنعجة أهليه، أو ليست بنعجة، ولا يجوز ان يريد انها ليست بنعجة، لانك ان حملته على هذا فقد نفيت ما أوجبه من قوله: لم يزل يرى نعجة، واذا لم يجز ذلك علمت انه اراد ليست بنعجة أهلية، والدليل على ان الظبية ماعزة قول أبي ذؤيب.

وعادية تلقى الثياب كأنها تيوس ظباء محصها وانبتارها

فقوله تيوس ظباء كقوله: تيوس معز، ولو كانت عندهم ضائنية لقال كأنها كباش ظباء، والوقير الشاة يكون فيها كلب وحمار في قوله الاصمعي.
قوله { ثمانية أزواج } منصوب، لانه بدل من { حمولة وفرشا } لدخوله في الانشاء، وتقديره وأنشأ حمولة وفرشا ثمانية أزواج { من الضأن اثنين } نصب { اثنين } بتقدير انشأ من الضأن اثنين، ولو رفع على تقدير منها ماعز إِثنان كما تقول رأيت القوم منهم قائم وقاعد كان جائزا، وانما أجمل ما فصله في الاثنين للتقدير على شيء منه، لانه اشد في التوبيخ من ان يكون دفعة واحدة.
وقوله { ثمانية أزواج } يريد ثمانية افراد، لان كل واحد من ذلك يسمى زوجا، والانثى زوج، وانما سمي بذلك، لانه لا يكون زوج الا ومعه آخر له مثل اسمه، فلما دل على الاثنين من اقرب الوجوه، وقع على طريقه، ومنه قول لبيد.

من كل محفوف يظل عصيّه زوج عليه كلة وقرامها

ومثل ذلك قولهم: خصم للواحد والاثنين، وقوله { من الضأن اثنين } يعني ذكر وأنثى، فالضأن الغنم ذوات الاصواف والاوبار، والمعز الغنم ذوات الاشعار والاذناب القصار، وواحد الضأن ضائن، كقولهم تاجر وتجر في قول الزجاج. والانثى ضائنة. وقال غيره: هو جمع لا واحد له، ويجمع ضئين كقولهم: عبد وعبيد، ويقال فيه (ضئين) كما يقولون في شعر شعير، وكذلك ماعز ومعز، الا أنه يجوز فتحه لدخول حرف الحلق فيه ويجمع مواعز.
وروي عن أبي عبد الله (ع) ان المراد بقوله { من الضأن اثنين } أهلي ووحشي وكذلك المعز والبقر { ومن الإبل اثنين } العرابي والبخاتي.
وانما خص هذه الثمانية أزواج، لانها جميع الانعام التي كانوا يحرمون منها ما يحرمونه مما تقدم ذكره.
فان قيل: اذا كان ما حرموه معلوما فلم عدل بهم في السؤل الى غيره؟
قيل على وجه المعارضة لهم على طريقة الحجاج أي انكم بمنزلة من قال هذا، ولذلك وقع السؤال أعلى كذا أم كذا؟ وان لم يتقدم دعوى أن أحدهما كذا، لانهم في حكم هذا المدعى.
وقوله { آلذكرين حرم أم } منصوب بـ { حرم }، والمعنى في قوله { آلذكرين حرم أم الأنثيين } اجاءكم التحريم فيما حرمتم من السائبة والبحيرة والوصيلة والحام من الذكرين أم من الانثيين، فالالف ألف استفهام والمراد به التوبيخ، فلو قالوا من قبل الذكر حرم عليهم كل ذكر، ولو قالوا من قبل الانثى حرمت عليهم كل أنثى. ثم قال { أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين } فلو قالوا ذلك حرم عليهم الذكر والانثى، لان الرحم يشتمل عليهما، قال الحسن معناه ما حملت الرحم.
وقوله { نبئوني بعلم إن كنتم صادقين } في ذلك.
وقوله { آلذكرين } دخلت الف الاستفهام على الف الوصل لئلا يلتبس بالخبر، ولو اسقطت جاز، لان (أم) تدخل على الاستفهام، وعلى هذا أجاز سيبويه قول الشاعر ان يكون استفهاما:

فو الله ما ادري وان كنت داريا شعيب بن سهم أم شعيب بن منقر

اجاز تقديره أشعيب. و (ما) في قوله { أما اشتملت } في موضع نصب عطفا على الانثيين، وانما قال: الانثيين مثنى، لانه اراد من الضأن والمعز.